|
الاندبندنت حيث تبين بأنه عندما اندلعت الأحداث السورية في عام 2011 لم تعر القيادة التركية اهتماما للواقع والميزات القتالية التي يتمتع بها هذا البلد، بل أخذت ترتكب الأخطاء خطأ إثر الآخر وانصرفت إلى دعم ومؤازرة المجموعات الإسلامية المتشددة بغية إسقاط سورية. وهي في تصرفها هذا كانت تهدف في واقع الأمر إلى تهميش الأكراد وعزل قوى إقليمية لها وجودها وأهميتها مثل إيران. على الرغم من مضي أربع سنوات على الحرب في سورية، فقد خابت الظنون في إمكانية رحيل القيادة السورية بل أصبحت تمثل جزءا أساسيا في أي خطة انتقالية، ذلك وفقا لما أعلنته وتفاوضت بشأنه القوى الأجنبية ، لاسيما بعد أن تبين بأن إيران التي تعد المنافسة الإقليمية لتركيا قد تغيرت النظرة إليها وأصبحت اللاعب الرئيس الذي لا يمكن للغرب تجاهله. وبذلك أصبح الأمر لا يقتصر على التحالف الموالي لسورية الذي يلقى الدعم الروسي بقوة، ولم يعد المجتمع الدولي يركز على هزيمة سورية، وبدلا من ذلك أصبح يكرس اهتمامه على هزيمة المجموعات الجهادية مثل داعش. لا ريب بأن مثل هذا التحول في الاهتمام سيمثل معضلة كبيرة بالنسبة لأردوغان. إذ أن دعمه وتأييده الذي استمر على مدى عدة سنوات للجماعات الأصولية الإسلامية مثل جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سورية وأحرار الشام على وشك أن يذهب أدراج الرياح، خاصة وأن أنقرة قد لعبت دورا بارزا في إتاحة الظروف لداعش والمجموعات المسلحة الأخرى لتنشأ وتزدهر في سورية والمنطقة برمتها. كما وأن تركيا قد وافقت وسهلت دخول المجموعات المسلحة عبر أراضيها وأتاحت لهم استخدام الأراضي التركية كنقطة عبور لتهريب الأسلحة والتمويل إلى الإرهابيين في سورية. من المسلم به أنه ليس لدى تركيا مصلحة في عقد تسوية سلمية للأزمة في سورية ذلك الأمر الذي تتفاوض عليه القوى العالمية. ونتيجة لما ألم بتركيا من عوامل اليأس والقنوط أخذت تحاول إعادة تركيزها على القيادة السورية رغبة منها في التعويض عن الخسائر التي منيت بها في هذا البلد. لذلك فإنه من غير المستبعد أن يكون القرار بإسقاط الطائرة الروسية قد جاء لأسباب سياسية أخرى. وبشكل خاص أن الطائرة، كما يعلم الجميع، لم تشكل على الإطلاق خطرا للأمن القومي التركي. على الصعيد الداخلي، استطاع اردوغان خلق مناخ من الخوف والشك، تمكن من خلاله تجيير هذا الأمر لصالحه في انتخابات البلاد المبكرة التي جرت مطلع هذا الشهر، حيث استعاد الغالبية التي خسرها في حزيران بعد أشهر من التفجيرات وأعمال العنف والخطاب التقسيمي. ونرى بأن قيام أنقرة بإسقاط الطائرة الروسية كان بهدف صرف الأنظار عما تقوم به من تكثيف لحملتها العسكرية ضد الأكراد لاسيما في مقاطعة ماردين، حيث تم الاعتداء على نوابها في الأيام القليلة الماضية. فضلا عن أنه قبل بضعة أيام نجا رئيس حزب الشعوب الديمقراطي الكردي صلاح الدين ديميرتاز، الذي ذاعت شهرته عالميا في الانتخابات الوطنية للبلاد، من محاولة اغتيال في ديار بكر. يتعين على تركيا أن تعلم بأن تصرفاتها الخاطئة لا يمكن أن تمضي على المدى الطويل دون أن تدفع تكاليف عالية الثمن مقابلها، خاصة وأن ما تقوم به يقوض فرص السلام في سورية ويقوض أيضا الجهود التي يبذلها الغرب التي تهدف إلى هزيمة داعش. نتيجة لاستطاعة أردوغان كسب رضى الغرب تمكن من تعزيز مكانته لدى الشعب التركي الأمر الذي مكنه وحزبه من الفوز في الانتخابات التي جرت في تركيا مؤخرا، وقد لجأ (الغرب) إلى هذا الأسلوب بهدف التوصل إلى اتفاق مع أنقرة بشأن أزمة اللاجئين، وربما يعتريه الأسف والندم على تقديم ذلك الدعم له، لاسيما بعد أن أكد الواقع بأن أردوغان لا يسعى لعقد صفقة مع الغرب بل إنه يسير في نهج يرسمه لنفسه. يبذل الرئيس التركي مساع حثيثة للارتباط بالغرب وبناء علاقات مميزة معه دون أن يعطي ما يلزم من اهتمام لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي، وذلك تجنبا للضغوط التي تمارس عليه من الداخل. خاصة وأن الغرب لا ينظر إلى تركيا باعتبارها الحليف الذي لا يمكن الاستغناء عنه. وإزاء هذا الواقع، يتعين على الغرب ممارسة الضغوط الفعالة على أردوغان كي لا يستمر بإتباع سياسته المدمرة. |
|