تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


غربان المال والعقيدة!

معاً على الطريق
الثلاثاء 1-12-2015
خالد الأشهب

ما من دولة في العالم على الإطلاق إلا وتشتهر بإنتاج واحد على الأقل من ثلاثة، فإما زراعة وإما صناعة وإما ثقافة، وحدها مشيخات الخليج تشتري من الآخرين كل شيء ولا تنتج شيئاً منذ ألف عام.. سوى «الشنينة وبول البعير»،

ولعل رحلتي الصيف والشتاء إلى الشام واليمن تعبير أو دليل تاريخي على فقر شبه الجزيرة العربية المدقع، بل لعل الهجرات العربية السامية أدل وأوضح قرينة.‏

ثروة النفط والغاز المكتشفة في جزيرة العرب، وبالضبط في ما يعرف اليوم بمملكة آل سعود.. وإن عادت بالمال الوفير الوفير، اللازم والكافي لإنشاء حضارة ما، ثقافية مثلاً، في هذه المنطقة.. لو أجيد استخدامها استخداماً خيراً، إلا أنها لم تستطع انتاج زراعة أو صناعة أو ثقافة، بل عجزت على ما يبدو حتى عن تخفيف حدة الحقد التاريخي المتشكل والمتراكم لدى سكان الجزيرة العربية وغيرتهم التاريخية من الشعوب الأخرى!‏

وفي معايير فلسفة الانتاج الحضاري الزراعي أو الصناعي أو الثقافي، فإن كل مظاهر الثراء الفاحش والترف والرفاه التي تظهر بها محميات الخليج العربي اليوم، لا تعدو كونها هدراً للمال واستهلاكاً وحشياً للمنتج الحضاري القادم من بعيد ما دام المال متوفراً، وبمعنى أن انقطاع المال فجأة ولسبب ما يعني بالضرورة انهياراً تاما لكل هذه المظاهر، وعودة كاملة إلى الحالة الوحشية التي كانت محميات الخليج ومجتمعاتها تعيشها قبل مال النفط والغاز!!‏

افتقاد البنية العقلية الأساسية اللازمة لأي انتاج حضاري.. وبما تعنيه هذه البنية من وعي عام وإدراك جمعي وتراكم معرفي، يقف بالتأكيد وراء هذه الحالة الخليجية النشاز حتى عن مثيلاتها من الحالات العربية الشقيقة لها، وهي أيضاً بالترافق والتوازي مع مكون الحقد التاريخي المتراكم والشعور الدائم بالدونية وراء حالة الاستهلاك الخليجي الواسع والأعمى للمنتج الحضاري دون انتاجه؟‏

الخواء الحضاري والعجز الذاتي والحقد المتراكم والتوق إلى الانتقام.. كلها مجتمعة مهدت لانتاج يتيم في الجزيرة العربية خلال السنوات المئة الأخيرة هو العقائد التكفيرية الوهابية ومولت نشرها كسلاح للتدمير الشامل، فالمال الخليجي السائب يعمي دولاً عظمى كأميركا وبريطانيا وفرنسا فضلاً عن غير العظمى، بشراء كل منتجاتها وأولها السلاح ومواقفها وسياساتها وسياسييها، ويستأجر جيوشاً وأجهزة مخابرات ووسائل إعلام وضمائر أشخاص وذممهم، ويمول جيوشاً أخرى من القتلة والمجرمين تزحف من باكستان إلى المغرب العربي إلى اليمن مروراً بسورية والعراق؟‏

وأما العقائد الوهابية التكفيرية فتغلق ملايين الأدمغة البشرية بالشمع الأسود، وتدجج أصحابها بكل فتاوى القتل الفردي والجماعي والذبح «الحلال» وتدمير أي منتج حضاري سابق لا يزال قائماً ولو أطلالاً، ثم تدفع بهذه الملايين قطعاناً هائجة هائمة، تنشر الهمجية والبربرية والخراب حول العالم بما فيها الدول العظمى ومجتمعاتها.. وإلا فمن أين تأتينا كل هذه الأسراب من الغربان السود؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية