تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نهار الحكايات... اللعب على منطق الليالي

كتب
الأربعاء 16/1/2008
أحمد علي هلال

لماذا كان لكتاب ألف ليلة وليلة- المدونة السردية الفذة- ذلك الصدى في آداب العالم?!‏‏‏

سؤال يعيدنا لتراث الليالي الممتد على جغرافيا الحكايات ولاسيما الحكايات العجائبية والغرائبية كلما ظهرت طبعة جديدة أو كتاب يسعى لأن يحاكي أو يقلد مستلهماً قوة المثال في اتكائه على الحكاية الأساسية التي يعيد توليفها بثقافة مختلفة.‏‏‏‏

‏‏‏

صحيح أن الشخصيات تتغير كما أدوارها وأن التاريخ والذاكرة الشعبية يرسمان ايقاع الحكايات الجديدة لكن تغير هوية الراوي أو الرواية لتنهض الحكاية بوظيفتها القديمة - الجديدة,التسلية والمرح, وفي مستوى آخر التحفيز وإنتاج الدلالة ما يفسر تلك الديمومة للنص الأصلي أو ما يمكن أن يسميه النقاد ( الخطاطة المولدة) ولاسيما ذلك التراث الهائل لليالي في تعالقه مع الرواية والشعر والمسرح وأجناس أدبية مختلفة (كتناص) أو تأثر أو مجاراة لتقاليد وأعراف معينة بالمفهوم الأخلاقي..‏‏‏‏

وليست مصادفة - في هذا السياق- أن تعود الشاعرة الإماراتية د.عائشة البوسميط إلى ذلك التراث بكتابها (عودة شهرزاد) حيث تتحول ليالي ألف ليلة وليلة إلى ليال شعرية بوحداتها السردية المتنوعة الأغراض مثل (ليلة جنة الدنيا) , و(ليلة صوت النساء) وغيرها.‏‏‏‏

لكن ما فعله الكاتب والمترجم نخلة قلفاط البيروتي هو أنه قلب منطق الليالي كتيمة دالة بترجمته ألف نهار ونهار بجزأيه الأول والثاني من التركية إلى العربية ولعله أراد أن ينشر كتابا يضاهي كتاب ألف ليلة وليلة في المغزى والمبنى وكذلك في ( الترتيب والمعنى) لطالما وجد أصله في اللغة الهندية وترجم إلى اللغات العالمية الانكليزية والفرنسية والايطالية وغيرها تنطوي ألف نهار ونهار على ألف حكاية وحكاية مجازا بمفارقة سرد الليل إلى سرد النهار وشهرزاد المضمرة هي الداية (الكهرمانة) الراوية الأساسية لحكايات أبي القاسم البصري ورضوان شاه مع شهرستان, وبنت ملك نايمان مع ملك تبه وقادرشان,وقلوف مع دلاران, والمروي لها هي فرحناز ابنة ملك كشمير توران شاه البارعة الجمال والخصال, النادرة المثال والمرغوبة من قلوب العشاق من أولاد ملوك وأمراء والتي رفضت الزواج بسبب رؤيا تجلت لها فانبنى عليها موقفها الحاسم من الذكور فقد رأت غزالا ذكرا وقع في شرك نصبه أحد الصيادين فألقت أنثاه نفسها عليه وعالجت تخليصه فتخلص ووقعت هي بالشرك قفز الغزال ولم يلتفت اليها وأسرع في الابتعاد حتى توارى عن عينيها جاء الصياد فقبض على الأنثى هنا اعتقدت فرحناز أن كل جنس الذكور بهذه الصفة لتمتنع عن الزواج رغم الاغراءات والتوسلات وبصرف النظر عن بساطة حبكة القصة إلا أنها ستبدو الباعث للداية لأن تروي لفرحناز فهي من جهة ترمي إلى تحفيزها على الزواج ومن جهة أخرى تشرع لها بتلك الحكايات التقليدية بدافع الدفاع عن الذكور بتقديم أمثولات تدحض موقف فرحناز من الذكور الذين مثلهم ذكر الغزال بقلة اهتمامه بأنثاه في مقابل شهامة الانثى برمي نفسها في الفخ مكان رفيقها لتجري الحكايات المكتملة في النهارات اللاحقة (كذكرى ملتهبة) للحب والاخلاص واستنهاض الأبعاد العجائبية والغرائبية التي يكتنز بها عالم ألف ليلة وليلة وحكاياته الأثيرة الغرام وقصص العشق المؤثرة المليئة بالمفاجئات وبتلقائية المخيلة الشعبية لتستعيد دلالتها ضمن الاطار العام للثقافة الإنسانية نحن إزاء أربعين نهارا فحكاية محتملة شخوصها من الملوك والأمراء من الإنس والجن ليمتزج الواقع بالخيال في لعبة يتواتر فيها المحكي ليمتد على أماكن وبلاد (الصين , القاهرة, البصرة, بلاد الشام) جغرافيا طليقة تمتزج على سطوحها كل عناصر التخييل المتداخلة بين الثقافات ولعبة التاريخ لا تبطل عمل النهارات لينتظم من جديد إيقاع الحكايات ويستدرج التاريخ للعبة تتواصل مع قارئ افتراضي.‏‏‏‏

فما الذي قصدته الداية في حكاية ابي القاسم البصري الذي يفوق هارون الرشيد بالثروة.. البصري العاشق لوردانه الثري بكنز لا يفنى أهو المثال لحكاية الحب الملتهبة والمستحيلة والتي غالبا ما تنتهي إلى أن الرجال مخلصون لحبيباتهم ومن ثم لزوجاتهم سواء من الإنس أم الجان?!‏‏‏‏

واللافت أن فرحناز في خواتيم الحكايات التي لا تنتهي غالبا تعود إلى اعتقادها بأن الذكور لاإخلاص لهم فمثلا رأيها بأن أبي القاسم نسي محبوبته عندما دخلت عليه بلقيس لتعود الحكاية في سعي حثيث لإثبات وجود رجال باعوا أرواحهم في سبيل محبوباتهم فثمة حكاية لرضوان شاه مع محبوبته شهرستان وقلوف مع دلاران وهكذا لتقف على الميثيولوجيات الهندية والعربية التي لا يكف فيها النص الأصلي على أن يكون حاضرا بتيماته الأساسية كمركزجذب حسب تعبير بلانشو على الرغم من قيام المترجم - قلفاط- بتهذيبه ليطابق النسخة العربية وأن الترجمة التركية إن جاز التعبير بدأت حيث انتهت الليالي وربما أضاف قلفاط بترجمته عن اللغة التركية الشيء الكثير ليمنح الإمتاع والتشويق للقارئ بانتباهه إلى الموتيفات (الحوافز) داخل النص الأصلي لكنه أسقط رغبة بأن نأتي الترجمة طبق المرام وهذا سيحيل بالتأكيد إلى مستوى من الإزاحة التي تتطلبها ثقافة بعينها بمعنى المزاوجة بين التأليف والترجمة فهو قد نشر في مجلته سلسلة الفكاهات وكيرام شاه وفيروز شاه ومئة حكاية وحكاية وما يمكن أن يعنيه لنا ترويض النص الأصلي (كخطاطة) يتيح توليدها أكثر من مستوى من مثل ألف نهار ونهار ذي النصوص السردية التقليدية (وأدرك العجوز الظلام فسكتت عن الكلام, وفي اليوم التالي عادت الداية لإتمام الحكاية).‏‏‏‏

ألف نهار ونهار تشكلت في متخيل خاص ربما بنى عليه بيتي دولاكروا الكاتب من القرن الثامن عشر حكاية وضعها بالقرب من شابة غارقة في صراع حاد فقد أقسمت على الامتناع عن الحب لدرجة أنها اعتبرت الرجال كائنات غير جديرة بالثقة! تلك هي دراما الحب المستحيل ما يعيد سؤال موريس بلانشو نفسه إلى الأذهان من أنه كيف أمكن لليالي أن تتحدث إلى العرب المهم أن تتحدث الينا.‏‏‏‏

وفي داخل تلك الاستعارات الكونية على القارئ الخروج بنتيجة: هي مجموعة التيمات المشتركة والحكم المتشابهة كيف تتشكل في اللغات الأخرى وترجمتها إلى العربية ولاسيما فيما أنجزه في الاتجاه الآخر غالان ولاين وبورتون وماردوروس وغيرهم.‏‏‏‏

الكتاب:ألف نهار ونهار. - ترجمة: نخلة قلفاط. - الطبعة الأولى .2007 - الناشر: شركة دار الوراق للنشر المحدودة - لندن.‏‏‏‏

:‏‏‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية