تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الانتخابات الجورجية... ملاحظات أولية!

دراسات
الأربعاء 16/1/2008
د. محمد البطل

خلافاً للانتخابات الرئاسية الجورجية السابقة عام ,2004 لم تعط صناديق الاقتراع الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي زعيم ثورة الورد عام 2003

نجاحاً انتخابياً كبيراً, بل فوزاً باهتاً قدرته اللجنة الانتخابية المركزية الحكومية ب 52 بالمئة, وشككت فيه المعارضة ومرشحها ليفان غاتشيتشيلادزه وطالبت بإجراء دورة انتخابية ثانية. هذا في الوقت الذي تباينت فيه المواقف الدولية تجاه هذه النتائج وتداعياتها.‏

فالانتخابات الرئاسية المبكرة التي دعا إليها ساكاشفيلي, جاءت رداً على الاحتجاجات الجماهيرية الحاشدة, وعلى دعوات المعارضة له بالرحيل, واستجابة منه لضغوط غربية هدفت إلى تهدئة الأوضاع الداخلية الجورجية, ما أمكنها ذلك, وتجنب تفجر الأوضاع في هذه الجمهورية التي تتميز بموقع جيوبولتيكي خاص في منطقة القفقاس.‏

لم تمض سنوات قليلة على ثورة (الورد) التي تزعمها الشاب ساكاشفيلي (خريج الجامعات الأميركية والمتأهل من أوروبية) ووعوده للجورجيين بتحقيق وحدة البلاد, وإنهاء (تمرد) إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا, والقضاء على الفساد وانتشال البلاد من أزماتها الاقتصادية - الاجتماعية وصولاً إلى الانضمام السريع للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي, حتى أثبتت الوقائع فشل هذه الوعود على الصعيد الداخلي, وخطأ حساباته في اللعب على التناقضات الأميركية, الأوروبية- الروسية. فقد أظهرت الاحتجاجات الجماهيرية وبخاصة نهاية العام الماضي حجم الرفض الشعبي لتوجهات قادة ثورة الورد (الرئيس, رئيس الوزراء, نوجيلي, رئيسة البرلمان بورجاندزه) لوعودهم, وتصدر مسائل الفساد الحكومي المستمر في أجهزة الدولة لافتات المتظاهرين وإشاراتهم إلى الاتهامات المتبادلة بين قادة ثورة الورد وعدد من الوزراء وبخاصة إشكالية وزير الدفاع ونفيه خارج البلاد ثم العفو عنه بعيد الاحتجاجات الجماهيرية و(لملمة) المسألة برمتها. كذلك الفشل في إنعاش الوضع الاقتصادي في البلاد, وحل أزمتها, أو تحقيق وحدة البلاد, فضلاً عن توتير العلاقات الجورجية مع جمهوريات رابطة الدول المستقلة وخاصة مع روسيا الاتحادية التي ترابط قواتها المكلفة بحفظ السلام على امتداد الحدود الجورجية مع إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية, اللذين أعلنا استقلالهما عن السلطة المركزية في تبليسي.‏

التف الجورجيون حول شعارات (ثورة الورد) البراقة عام ,2003 التي تزامنت مع (الثورة البرتقالية) في جمهورية أوكرانيا, وبخاصة مسائل الإصلاح الداخلي ومعالجة الصعوبات الاقتصادية المتفاقمة, آملين في إخراج بلادهم من أزماتها, ومنحوا ساكاشفيلي الثقة في الانتخابات الرئاسية عام 2004 بحصوله على 96 بالمئة من أصوات الناخبين. هذا في الوقت الذي لم تجد فيه هذه الشعارات تجسيداً لها في البرامج الحكومية, وفي آليات المعالجة المفترضة, وتراكمت سلبيات أداء (مؤسسات) الرئاسة والحكومة والبرلمان وساهمت بمجموعها في انفضاض الشارع الجيورجي بقواه ورموزه عن القيادة الجديدة التي قمعت بشدة حركة الشارع وتظاهراته وأعلنت حالة الطوارىء ثم تراجعت عنها بفعل الضغط الجماهيري وانتقادات الرأي العام العالمي.وتواصلت في الوقت نفسه التوترات مع إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية, ما ضاعف من حجم الصعوبات التي توجهها تبليسي وانعكاساتها على الأوضاع الداخلية الجيورجية. كما لم تنجح محاولات جيورجيا في إيجاد اصطفافات داخل إطار رابطة الدول المستقلة مع كل من أوكرانيا ومولدافيا وأذربيجان لأسباب كثيرة أهمها الأوضاع الداخلية اللا صحية في هذه الجمهوريات, والحذر الشديد في تعامل الغرب مع جورجيا وعدم استفزاز روسيا في الوقت نفسه.‏

وساهمت قراءة ساكاشفيلي وزملائه الخاطئة للأوضاع الداخلية في البلاد وكيفية معالجتها, كذلك علاقات جورجيا مع جوارها, وحجم مراهنته على الغرب وحدود تدخله في الإطار السوفييتي السابق, وخاصة بعيد التغيرات الهامة في السياسة الخارجية الروسية التي انتهجها الرئيس بوتين وإصراره على رفض التدخل الخارجي في شؤون روسيا الوطنية ومحيطها السوفييتي السابق ساهمت بمجموعها في عدم ترجمة الشعارات البراقة لثورة الورد الجورجية.‏

ورغم التراجع الحاد والكارثي في نسبة التأييد الجماهيري, استنادا إلى نتائج الانتخابات, التي تطغى المعارضة في نزاهتها, وحصول ساكاشفيلي على 52 بالمئة مقارنة ب 96 بالمئة عام ,2004 فإنه لا بد من الإشارة إلى التأييد الأميركي السريع لنتائج الانتخابات ووصفها بالشفافية والديمقراطية, وحض الدول ا لأخرى على التعامل معها. في الوقت الذي تفاوت فيه تقييم المراقبين من منظمة التعاون والأمن الأوروبي حول نزاهتها وديمقراطيتها. وأعلنت الخارجية الروسية بدورها عن بيانات صادرة عن قوى المعارضة وعن تجمعات شعبية تطعن في نتائج الانتخابات, وإشارة إلى استمرار التظاهرات المطالبة بجولة انتخابية ثانية.‏

ودون الخوض في تفاصيل العملية الانتخابية وتداعياتها الوطنية, وفي التباينات الدولية تجاهها, فقد بات واضحاً أنها عمقت من الأزمة التي تعانيها البلاد, لا بل أدخلتها في مرحلة جديدة عناوينها الأبرز تتلخص في فشل برامج ثورة الورد وتراجع كبير في شعبيتها من جهة, وعدم قدرة المعارضة, حتى تاريخه في بلورة برنامج موازٍ يتضمن حلولاً لمعضلات جورجيا الداخلية وطبيعة علاقاتها مع جوارها. كذلك ماهية تحالفاتها وتوجهاتها الراهنة والمستقبلية من جهة أخرى.‏

< باحث في الشؤون الدولية‏

batal-m@scs-net.org.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية