|
آراء فالأصدقاء على السراء والضراء, ومن غير الصديق من يدعم صديقه? وأنا شخصياً أعتز اعتزازاً كبيراً بأصدقائي خصوصاً منهم الكتاب والشعراء.. ويوم بدأ وزير الثقافة الدكتور رياض نعسان آغا يتذكر أصدقاءه الأدباء والكتاب, ويقيم لهم حفلات التكريم, وجدت ذلك من واجبات الصداقة, والدكتور آغا في موقع المسؤولية, فهذا تحصيل حاصل. وجميل أن يأتي وزارة الثقافة وزير من هذا النوع ليلتفت إلى الكتاب والشعراء, الدولة التي تكرم علماءها وكتابها وشعراءها.. هي دولة حضارية, تضع الأشياء في مكانها. وقد أوصى النبي (ص) بالجار, وهو بمثابة الصديق أيضاً, وقد حفل التراث العربي بالكثير الكثير عن حسن المعاشرة والصداقة والإلفة بين الجيران. والمودة, والتآلف سبب القوة, وقد منّ الله تعالى على قوم وذكرهم نعمته عليهم بأن جمع قلوبهم على الصفاء, وإلى الإلفة والإخاء, فقال تعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخواناً) - سورة آل عمران -. وقد سن رسول الله ] الإخاء, وندب إليه, وآخى بين الصحابة أجمعين. وقد ذكر الله تعالى أهل جهنم وما يلقون فيها من الألم, إذ يقولون (فما لنا من شافعين), ولا صديق حميم. وقال الإمام علي [: الرجل بلا أخ كشمال بلا يمين. وأنشد الشاعر: وما المرء إلا بإخوانه كما يقبض الكف بالمعصم ولا خير في الكف مقطوعة ولا خير في الساعد الأجذم وقال زياد: خير ما اكتسب المرء الاخوان, فإنهم معونة على حوادث الزمان, ونوائب الحدثان, وعون في السراء والضراء. وقال الأوزاعي: الصاحب للصاحب كالرقعة في الثوب, إن لم تكن مثله شانته, وقال عبد الله بن طاهر: المال غاد ورائح, والسلطان ظل زائل, والاخوان كنوز وافرة. وقال المأمون لحسن بن سهل: نظرت في اللذات فوجدتها كلها مملولة سوى سبع. قال: وما السبع يا أمير المؤمنين. قال: خبز الحنطة, ولحم الغنم, والماء البارد, والثوب الناعم, والرائحة الطيبة, والفراش الوطيء, والنظر إلى الحسن من كل شيء. فقال: فأين أنت ياأمير المؤمنين من محادثة الرجال?! قال صدقت وهي أولاهن. وقال سليمان بن عبد الملك: أكلت الطيب, ولبست اللين, وركبت الغارة, وافتضضت العذراء, فلم يبق لي من لذاتي إلا صديق أطرح معه مؤنة التحفظ. وكذلك قال معاوية: أكلت الطعام حتى لا أجد من استمرؤه, وشربت الأشربة حتى رجعت إلى الماء, وركبت المطايا, حتى اخترت نعلي, ولبست الثياب حتى اخترت البياض, فما بقي من اللذات ما تتوق إليه نفسي إلا محادثة صديق كريم. وأنشد الشاعر في هذا المعنى: وما بقيت من اللذات إلا محادثة الرجال ذوي العقول وقد كنا نعدهم قليلاً فقد صاروا أملاً من القليل وقال لبيد: ما عاتب المرء اللبيب كنفسه والمرء يصلحه الجليس الصالح وقال آخر: إذا ما أتت من صاحب لك زلة فكن أنت محتالاً لزلته عذرا وقيل لابن السماك: أي الأصدقاء أحق ببقاء المودة. قال: الوافر لدينه, الوافي لعقله, الذي لا يملك على القرب, ولا ينساك على البعد, وإن دنوت منه داناك, وإن بعدت عنه راعاك, وإن استعنت به عضدك, وإن احتجت إليه رفدك, وتكون مودة فعله أكثر من مودة قوله: وأنشد بهذا المعنى: إن أخاك الصديق من يسعى معك ومن يضر نفسه لينفعك ومن إذا ريب الزمان صدعك شتت فيك شمله ليجمعك وقال غيره: وليس أخي من ودني بلسانه ولكن أخي من ودني وهو غائب ومن ماله مالي إذا كنت معدماً ومالي له إن أعوزته النوائب وقال الشاعر أبو تمام: من لي بإنسان إذا أغضبته وجهلت كان الحلم رد جوابه وإذا صبوت إلى المدام شربت من أخلاقه وسكرت من آدابه وتراه يصغي للحديث بطرفه وبقلبه ولعله أدرى به وقيل لخالد بن صفوان: أي اخوانك أحب إليك? قال: الذي يسد خلتي, ويغفر زلتي, ويقبل عثرتي. وقيل: من لا يؤاخي إلا من لا عيب فيه قل صديقه, ومن لم يرض من صديقه إلا بإيثاره على نفسه دام سخطه, ومن عاتب على كل ذنب, ضاع عتبه وكثر تعبه. قال الشاعر: ومن لم يغمض عينه عن صديقه وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب وقال آخر: إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلق الذي تعاتبه وإن أنت لم تشرب مراراً على الأذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه وقالوا: إذا رأيت من صديقك أمراً تكرهه, أو خصلة لا تحبها, فلا تقطع حبله, ولا تصرم وده, ولكن داو كلمته, واستر عورته وابقه وابرأ من عمله. قال تعالى: (فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون) - سورة الشعراء -, فلم يأمره بقطعهم وإنما أمره بالبراءة من عملهم السيئ. وقال ]: (الأرواح أجناد مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف). وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً: (إن روحي المؤمنين ليلتقيان من مسيرة يوم وما رأى أحدهما صاحبه). وفي ذلك قال بعضهم: هويتكم بالسمع قبل لقائكم وسمع الفتى يهوى لعمري كطرفه وخبرت عنكم كل جود ورفعة فلما التقينا كنتم فوق وصفه وهكذا.. ما تحاب اثنان في الله إلا كان أفضلهما عند الله أشدهما حباً لصاحبه, وما زار أخ أخاً في الله شوقاً إليه, ورغبة في لقائه, إلا نادته ملائكة من ورائه طبت وطابت له الجنة. وقالوا ليس سرور يعدل لقاء الأصدقاء, ولا غم يعدل فراقهم. وقالوا شر الاخوان الواصل في الرخاء الخاذل عند الشدة, وقالوا إن من الوفاء أن تكون لصديق صديقك صديقاً, ولعدو صديقك عدواً. ومن آداب الصداقة والمعاشرة: البشاشة, والبشر, وحسن الخلق, والأدب. وقال جابر بن عبد الله عن النبي ] قال: (من أخلاق النبيين والصديقين البشاشة إذا تراءوا, والمصافحة إذا تلاقوا). وكان القعقاع بن شور الهذلي إذا جالسه رجل جعل له نصيباً من ماله, ويعينه على حوائجه, ودخل يوماً على معاوية فأمر له بألف دينار, وكان هناك رجل قد فسح له في المجلس فدفعها للذي فسح له, فقال: وكنت جليس قعقاع بن شور وما يشقى بقعقاع جليس ضحوك السن إن نطقوا بخير وعند الشر مطراق عبوس وقال وهب بن منبه: صبحت الناس خمسين سنة فما وجدت رجلاً غفر لي زلة, ولا أقال لي عثرة, ولا ستر لي عورة. وقال الإمام علي بن أبي طالب [: إذا كان الغدر طبعاً, فالثقة بكل أحد عجز. وقيل لبعضهم من الصديق? قال: اسم وضع على غير مسمى, وحيوان غير موجود. وقيل لبعض الولاة كم لك من صديق فقال أما في حال الولاية فكثير. وأنشد: الناس اخوان من دامت له نعم والويل للمرء إن زلت به القدم هكذا الأصدقاء بين مدبر ومقبل.. والوفاء هو الأبقى, وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. |
|