|
دراسات ما بعد انتصار حلب، بدأت تلوح في الأفق عناوين مرحلة جديدة من الانزياحات المتوقعة في المواقف والسياسات بما يحاكي الواقع الميداني الذي صاغته دمشق بالدماء والشهداء، ويبدو النظام التركي مع هذه التحولات الجارفة لكل عناوينه التي فشل في فرضها على الأرض في أعلى مستويات إحباطه ويأسه بعد أن استشعر متأخراً أنه بات الطرف الأكثر تهوراً وحماقة وغباءً في منظومة الإرهاب، وربما الطرف الأكثر ضعفاً في معادلة القوة التي تسود المسرح الإقليمي والدولي في ظل ذلك الاستعراض اللا متناهي للعضلات من قبل دول منظومة العدوان على حلبة التحالفات والمصالح الاستراتيجية، من هنا يمكن فهم استنجاده بالإسرائيلي في هذا التوقيت تحديداً من أجل رفع معنوياته ولاستشعاره بخطورة الموقف الذي وصل إليه مع إرهابييه. ضمن هذا السياق الكارثي الذي يلف المشروع الإخواني فإن أردوغان أضحى بلا أي سقوف سياسية للمساومة والابتزاز، خاصة بعد الموقف الروسي الحاسم والواضح في هذا الشأن بأنه لا عودة إلى الوراء خطوة واحدة، أي لا عودة إلى ما قبل 9-2-2020 التاريخ الذي تحررت فيه كامل مدينة حلب من الإرهاب، والتاريخ الذي بات فيه الجيش على مشارف إدلب، ليس هذا فحسب، بل يمكن التأكيد أيضاً أن أردوغان بات بلا غطاء روسي لمحاولات شراء الوقت التي كان مدمناً عليها طيلة المرحلة الماضية، فالواقع الجديد الذي رسمته دمشق أصبح في أمس الحاجة إلى موقف واضح من أنقرة حيال عدم الالتزام بتطبيق تفاهمات آستنة وسوتشي الموقعة في أيلول 2018، وحيال عدم الإيفاء بتعهداتها المعلنة على أكثر من منبر دولي، ولعل فشل أردوغان في تغيير أو تعديل الموقف الروسي الثابت برغم محاولاته المتكررة تؤكد هذه الحقيقة التي باتت ساطعة جداً. الأمر لم يتوقف هنا أيضاً، فاللص العثماني أضحى أيضاً بلا غطاء أميركي وأوروبي نتيجة فشله في تنفيذ المطلوب منه أميركياً على الأرض بسبب حماقته وغروره المتورم وانفتاح شهيته على التمدد خارج حدوده كجزء من طموحاته العثمانية ومهماته وأدواره الإخوانية. انكشاف الغطاء الأميركي والأوروبي عن النظام التركي بدا واضحاً وبشكل جيد ومعلن على الأرض، وهذا الأمر أعلنه كذباً وادعاء مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين، عندما زعم بأن بلاده لن (تتدخل) عسكرياً في سورية لإنقاذ أردوغان، بالرغم من أن العدوان العسكري الأميركي كان ولا يزال حاضراً وموجوداً منذ بداية الحرب على سورية لدعم وحماية الإرهابيين الذين هم بطبيعة الحال جزء لا يتجزأ من الأدوات الأميركية الرديفة لأردوغان مع اختلاف الأدوار والمهام الموكلة إليهم. من هنا نجد أن الدعم الأميركي والأوروبي لأنقرة خلال معارك التحرير التي خاضها الجيش العربي السوري وحرر خلالها أرياف الشمال في حلب وإدلب طغى عليه الجانب السياسي فقط، وهذا قد يعود إلى قناعة أميركية تشكلت عند صناع القرار داخل البيت الأبيض والكونغرس بشكل عام، وداخل الدولة العميقة بشكل خاص، بخطورة الإقدام على عدوان عسكري مباشر على الأرض في هذا التوقيت تحديداً في ضوء الوجود والدعم الروسي المعلن لدمشق، وفي ظل المشاركة العسكرية للقوات الروسية في الحرب ضد الإرهاب وبطلب رسمي من الحكومة السورية. كذلك وبحسب المواقف و ردود الفعل الغربية التي غلب عليها الغموض، حيال الموقف من انهيارات وهزائم وإخفاقات أردوغان وإرهابييه في الشمال السوري، فإنه على ما يبدو هناك قرار أوروبي مزعوم أيضاً بعدم اللجوء الى أي عدوان عسكري إضافي لدعم النظام التركي في إطار حلف الناتو برغم المناشدات التركية لتنفيذ بنود معاهدة الدفاع المشترك للحلف، وهذا يعود أيضاً إلى عدة أسباب، منها أنه باتت هناك إشكالية أوروبية في دعم أردوغان وذلك لعدة أسباب، منها الخشية الرسمية الأوروبية من غضب الشارع داخل بلدان الاتحاد الأوروبي، وهذا يعزى بالدرجة الأولى إلى وجود قناعة عند الشعوب الغربية بعدم شرعية الحروب التي يخوضها أردوغان خارج حدود بلاده، في وقت تنص فيه معاهدة الحلف على تقديم الدعم والمساندة للأعضاء إذا تعرضوا لخطر خارجي أو لهجوم داخل حدودهم وليس خارجها، كذلك فإن مزيداً من دعم الناتو لأردوغان عسكرياً من شأنه أن يفضح ويوثق ويؤكد المهام والأدوار الحقيقية لتلك الدول في دعم الإرهاب وتصديره إلى المنطقة، وهذا ما تحاول الدول الأوروبية تغطيته وتعميته عن الرأي العام الأوروبي برغم انكشاف الكثير من الحقائق والمعلومات. كما أن تهديدات أردوغان بفتح الحدود أمام الإرهابيين والنازحين باتجاه أوروبا لا تزال حاضرة وعالقة في الأذهان، بل لا تزال تلك التصريحات تؤرق العقل الأوروبي، دون أن ننسى أن هناك قناعة أوروبية مشتركة مع الأميركي بعدم التورط في مواجهة مباشرة مع الروسي. في ظل هذا الواقع الذي يجتاح النظام التركي يطفو إلى السطح السؤال الأكثر وضوحاً بإجابته، وهو هل يمضي الدونكيشوت وحيداً في طريق الأوهام التي لا يزال يبحث فيها عن طموحاته الإخوانية والعثمانية؟، وهو الذي يعرف جيداً أنه لم يزرع إلا أحلامه وأطماعه. |
|