|
عن الفيغارو إنها ليست قصة بل هي حدث: فمن من الفرنسيين لا يعلم بأن (الخيّرون)اول قصة باللغة الفرنسية لأمريكي في التاسعة والثلاثين من العمر قد نشرت في أواخر شهر آب الماضي تحت غطاء NRF لدار نشر غاليمار, وقد بيع منها آنذاك اكثر من 200.000 نسخة تقع قصة ( الخيّرون) للكاتب جوناثان ليتل في 900 صفحة من القطع الصغير مضغوطة كقذيفة في مدفع قابلة للانفجار . بعد مضي 60 عاماً على الوقائع كتب أوي ذكريات تلك الحقبة تعالت اصوات تنذر بالرؤية التي يمكن ان تعكسها الرواية عن تاريخ الحرب العالمية الثانية وتداعياتها المحتملة على المجتمع المعاصر . اصوات اخرى تنضم الى الجوقة للتنديد بالفجور والعنف اللذين تتسم بهما الرواية. لقد أساءت إلى الاخلاق العامة والخاصة. منذ عام 1857 كان يخشى نقاد فلوبير وبودلير من ان اعمالهما الادبية تشجع على الخيانة الزوجية وإثارة الحواس. من وجهة نظر المجتمع لم يكن طلبهم غير عادي ليس اكثر مما تقدمه قضية معرفة اذا ما كان هذا العرض عن معاداة السامية يمكن ان يحدث تأثيراً على مجتمع هش . المسألة هنا تكمن في ان تلك الاحكام ليس لها دور كبير في الادب. إن الجدل القائم بين الفن والاخلاق يعود على الارجح الى زمن سقراط في سلسلة من المحاضرات ألقيت في برينستون عام 1951 حاول الفيلسوف جاك ماريتان التفكير بهدوء حول هذا الموضوع: كانت حقبة تميل الى الشيوعية لقد وضع يده على ايديولوجية مهيمنة على الفن والفنانين كان الامر يعني له التفكير باستقلالية الفن بالنسبة للمجتمع اذ يقول : (القيمة الفنية والقيمة الاخلاقية شيئان مختلفان اذ ان القيمة الفنية تتعلق بالعمل بينما القيمة الاخلاقية خاصة بالانسان). بعبارة اخرى ينبغي على كاتب القصة والسينمائي الاهتمام بالعمل الفني وليس بالمجتمع وان سبب ذلك الازعاج لزمنهما. مع ذلك تبدو المسألة أعقد من مجرد انفصال بسيط ومن دونه لن يكون هناك نزاع : الفن يمارس ايضاً في قلب المجتمع الانساني وبالتالي له نتائج ولا يمكن له ان ينسحب منه كلياً-لا سيما عندما يلجأ الفنان الى استخدام عمله كأنه كبش ضد المجتمع وقيمه, خاصة بتصريحات هامشية في هذا التوتر القائم بين الفن والمجتمع يعطي ماريتان حق الكلام اذا للمجتمع, ليس تجاه الفن لكن تجاه الفنان لكونه انساناً. مثلما يدعي حرية الفن , يعترف ماريتان بأن الحكمة ( اي الحكمة الاخلاقية) لها ايضا كلمتها اذ يقول : ( عندما يرفض (الحكيم)المتعلق بشدة بالفضيلة الاخلاقية عملاً فنيا يكون على يقين بأنه يدافع عن ثروة مقدسة وهي الانسان ويحكم على الفنان على انه طفل او اخرق. وعندما يتمسك الفنان بفضيلته الفكرية فهو يؤكد من انه يدافع عن ثروة لا تقل قداسة وهي الجمال) لكل امرئ ان يختار بعد قراءة ( الخيّرون) اذا كان يقف الى جانب الفن او الى جانب الحكيم. اذا كانت ( الخيرون تثير تلك الاضطرابات فلأنها تطرح على مجتمعنا مسألة الشر) وفي هذا المجال يسجل الكاتب كل الاشياء المتساوية في تقاليد ديستوفسكي او برنانوس) قد يقيم مجتمعنا المتحرر علاقة غامضة مع الشر : وهو الموضوع المفضل لدى كاتب القصة ( الخيّرون ) : لكنه وحش اسود يواجه الانسان المعاصر, انه بطيبة خاطر مفرغ عندما لا يكون منغلقاً في زمرة على حدة. الشر هو في الآخرين , ان الجدارة الكبيرة التي تميز بها جوناثان ليتل مؤلف ( الخيّرون) ربما تجلت من خلال شخصية ماكس او المخيفة ولكونه استطاع ان يضعنا في مواجهة الشر وربما في جزء منها في مواجهة مع ذاتنا . بالتأكيد لكن التهكم والفظاظة والنفاق التي تظهرها هل تجعلنا في معزل عن مراعاة ذلك ? ألا يأتي رفضنا الفطري من الرعب الذي يوحيه وضعنا الانساني الدقيق? كان مورياك يقول عن بودلير بأنه: ( فتح الباب على سر الشر وان المعرفة الميتافيزيقية للشر انه ما من شيء اكثر غرابة على انسان اليوم من اشد ما يكرهه) في مجتمع يتسم بقساوة القلب وشعور داخلي رقيق , لنستعيد اللغة المشهورة لدى برنانوس:عند اول رغبة في الشر هي رده اي نكرانه . هل هذا الوحش (ماكس او) بطل ( الخيّرون) غريبا لهذه الدرجة عنا? الشخصية التي ابتدعها الكاتب هي احدى الدعائم القوية في الكتاب- تمثل وجهاً جذاباً لمثقف راق قرأ للكاتب ( دومنيريل) وخاض الحرب مع قصة ( التربية العاطفية ) والذي يعتبر ستاندال ولير موتوف رفاق سلاح . بعد قليل لا نلبث ان نتحادث معه انه الشر المألوف في ضمائرنا . أ-يجب علينا ان نستسلم له او نتفق معه? ان نقبله, ان نرضى بالتضامن ( في السراء والضراء) الذي يجمع كل الناس. ليس الاعتزال , لكن ان نبدأ بمقاومته بأسلحته سواء بالعقل او الايمان, خلال قراءة ( الخيّرون) والانفعال الذي تحدثه ممزوجا بذهول واعجاب لا يكف ان يبعث فينا ذلك الطفل المزعج الذي كان في بودلير حيث يقول : ( أيها القارئ المخادع, الشبيه بي, انك اخي). |
|