تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كأس سقرط الأخيرة...نص سردي بلا روح مسرحية

شؤون ثقا فية
الأربعاء 28 /3/2007
مزنة الاطرش

(المسرح رؤية متكاملة لواقع أجمل... فعظمة فن المسرح تجيء بمقدار ما يهدف الى الابعد, وبمقدار ما يحاكي وعي الانسان وعقله وروحه, وما يشكل حقيقة تزهر وتثمر في مناخ جماهيره ).

إن في اعادة سقراط الى الحياة على خشبة المسرح فائدة عظيمة تفتح آفاقاً فكرية حرة في بنية التفكير والوعي لدى المتلقي.‏

فسقراط العظيم الذي آمن في العقل وخلود الروح وارتباطهما ببعضهما البعض, دفع حياته ثمناً للبرهان على صحة تفكيره وتحدى قوة الجهل الاجتماعي وقوة السلطة في سيطرتها وقمعها لحرية التفكير والابداع .‏

هكذا أعاد إلينا موفق مسعود, وزيناتي قدسية, العبرة في عرضهما ( كأس سقراط الاخيرة) والذي قدماه على مسرح ابو خليل القباني بدمشق.‏

عبر نص ذهني صعب يحتاج الى الاصغاء التام وهو اعلى درجات الاستماع فمتانة اللغة والالفاظ وجزالتها, امتلكت رونقا خاصا في النص المسرحي, والذي امتلك ناصيته الممثل القدير زيناتي قدسية, الذي استطاع بخبراته حمل المعاني الفلسفية وايصالها بفهم عميق للمتلقي.‏

وعلى الرغم من البنية الفلسفية السردية التي خلت من الفعل الدرامي استطاع المخرج زيناتي ان يقدم حلولا بصرية اخراجية مشوقة وذكية ومفاجئة في بعض الاحيان عبر الديكور المتمثل في عمودين ا ثريين وضعا في عمق المسرح, وتاج لأحد الاعمدة على يسار الخشبة من جهة النظارة, وضع عليها كأس فيه السم والدم الاحمر, وعلى يمين الخشبة وضع تاج السلطة على صخرة مرتفعة, وفي الوسط وضعت دائرة علقت في سقف المسرح وكانت متحركة شد اليها تول ابيض شفاف وكأنها فتحة في سماء المسرح وكأنها معبرا لروح سقراط تجاه السماء, وقد تم تحريك الديكور من قبل الممثل زيناتي بطريقة ذكية ايضا, فقد حرك تاج العمود والكأس التي عليه الى الوسط وهدم العمودان اللذان كانافي وسط وعمق الخشبة واللذان كانا يمثلان شخصيتين في العرض وهما افلاطون تلميذ سقراط وناقل الصورة المشوهة عنه, وكرايتون الحاكم في مدينة اثينا, والذي يمثل السلطة حيثما تمثل فلسفة القوة.‏

لقد تناغم العرض المسرحي مع كامل العناصر من موسيقا وصوت المكبر القادم من مضخم الصوت, والاضاءة التي عملت على فصل المكان على الخشبة فكانت : شجنا,وشخصيات, وافاقاً, وحلماً, وحياة , ودماء ,و موت.‏

والديكور, وايقاع العرض العام, واداء تمثيلي عال, شكلت (هارموني جميل وساحر) على الصالة, منذ اللحظة الاولى للعرض حتى الاخيرة.‏

واذا كان هناك من مآخذ على هذا العرض-حسب رأيي- هو خلو العرض من الفعل الدرامي وهو من احدى اهم مقومات نجاح العرض المسرحي, ولكن هذا جاء مبررا في عرض ( قدسية) لأنه عرض سردي يحاكي العقل والفكر تعامل معه قدسية بذكاء كامل وابداعية اخراجية اثرت فينا , اداء تمثيلي رائع استطاع زيناتي من خلاله ان ينفذ الى ما بداخلنا من استفسار وغموض .‏

ولا نغفل ان هذا العرض قد قدم الينا كاتبا محليا متمكنا يبشر برفد الحركة المسرحية السورية واضافة منهجية فكرية كانت تنقصنا في كثير من الاعمال التي شاهدناها في المواسم الماضية, ولعل الجمهور المتلقي قد وصل معي الى اجابات لاسئلة طرحتها طبيعة العرض مسقطة على ما يجري في الساحة العربية من احداث نستشفها ونستقرئ مستقبلها وكلنا يملؤه الخوف والتوجس....??!??‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية