|
دائرة الثقافة و ربما كان كتاب د. علي عقلة عرسان رائداً في هذا المجال , و في يوم الاحتفاء بالمسرح ثمة أسئلة تطرح من جديد : لماذا لم يزدهر المسرح لدينا بعد أن تأصل في حركتنا الإبداعية ..? هل بقيت الأسباب التي حالت دون ظهوره في تراثنا القديم .. هل بقيت ذاتها أم أن المسرح ما كاد يستقر لدينا و يتأصل حتى فقد بريقه في العالم كلّه..? لسنا في هذا اليوم الاحتفائي بصدد المراجعة لأسباب هذا الذبول و الانحسار , و لكننا مشاركة بمثل هذا الاحتفاء نقف عند محطات في تاريخ الحركة المسرحية السورية . و لا سيما في القرن العشرين و منذ بداية نصفه الثاني. * المسرح في سورية..في كتابه ( المسرح في الوطن العربي ) يتوقف د. علي الراعي عند المسرح في معظم أقطار الوطن العربي , و يخصص فصلاً للحديث عن المسرح في سورية و يرى الراعي أن الجهود التي يذلها المسرح الأول أبو خليل القباني ما كان لها أن تستثمر لولا الجهود التي بذلها فنانون جادون كانوا يعملون في إطار النوادي و المدارس و الذين ضمنوا لسورية أن يقوم فيها مسرح جاد إلى جانب العروض المسرحية التي كانت الفرق التجارية تقدمها أثناء حياة القباني و بعد رحيله. بداية النهضة .. نهضة المسرح في سورية بدأت حسب ما يقول الراعي على يد كلّ من رفيق الصبان و شريف خزندار اللذين كانا قد عادا الى سورية من فرنسا بعد أن تدربا على أيدي الفنانين الكبيرين جان لوي بارو و جان فيلار . فأخذا يقدمان نماذج من المسرح العالمي. وفي بادرة من الدولة لمساعدة هذا الطاقم الفني الصغير أسست فرقة المسرح القومي عام 1959 م مستعينة بطاقم الصبان و بجهود مخرج درس المسرح في أمريكا و اسمه هاني صنوبر سعد الله ونوس و عهد جديد.. أما القفزة الحقيقية فقد كانت عام 1967 م عندما تقدم سعد الله ونوس بمسرحية : ( حفلة سمر من أجل 5 حزيران ) فافتتح بهذه المسرحية المهمة و عهداً جديداً في المسرح السوري و كما يقول د. الراعي كان قبل ذلك قد كتب خمس مسرحيات قصيرة هي : لعبة الدبابيس و الجراد و المقهى الزجاجي و جثة على الرصيف و الفيل يا ملك الزمان . و البطل في هذه المسرحيات جميعاً هو الإنسان الفرد على حدة بصراعاته و معاناته و وحدته و كانت قفزة و نوس الجديدة عام 1978 م إذ أخرج سعد الله و نوس مسرحيته الفاتنة ( الملك هو الملك ) وفيها استخدم بلباقة فنية كبيرة إحدى حكايات ألف ليلة. و يقف الراعي عند مسرحية ( الملك هو الملك ) و تعتبر برأيه أعذب ارتشافة ارتشفها كاتب مسرحي عربي من إرث ألف ليلة و هي الى هذا أحسن ما قدم حتى الآن لتطوير تراث ألف ليلة و انتشاله من جمود الماضي الى حيوية الحاضر و سرعة اندفاعه. ذهب المسرح و بقيت المنصّة.. في الحديث عن المسرحيين السوريين ( كتاباً ) أسماء كبيرة و لامعة غطت شهرتها الوطن العربي و نذكر من هؤلاء . فرحان بلبل و و ليد إخلاصي و ممدوح عدوان و علي عقلة عرسان و مصطفى الحلاج و آخرين .. و إذا كان ثمة من يقف على الأطلال و يبكي فترة ازدهار المسرح و لو لمدة محدودة فإنه جدير بنا أن نتذكر أنّ الأزمة التي قادت الى هذا الجفاف و القطيعة هي أزمة شاملة و عميقة , فلم يعد المسرح عامل جذب و إغراء و لا سيما في عصر البحث عن المتلقي و الولوج إلى أعماقه و بأسرع الطرق و أيسرها سهولة و أكثرها قدرة على التفاعل . و مهما بنيت من مشيدات و صروح فإنهالن تعيد عقارب الساعة الى الوراء حتى لو قيض للحركة المسرحية المئات من أمثال شكسبير و سعد الله و نوس , بيكيت .. لكنه يبقى سيد الفنون بلا منازع و نحن نحتفي باليوم العالمي للمسرح و أمامنا منصة يعتليها ممثلون و مدرج بلا جمهور و ربما بعد حين سنفقد المنصة و المسرح في عصر الصورة و مع ذلك , فإننا سنبقى نردد ما قاله المبدع الكبير سعد الله و نوس ذات يوم : إننا محكومون بالأمل .. كل عامٍ و مسرحنا بخير و إن لم تستطع المهرجانات و المسارح الضخمة أن تنقذه من سباته , و هو سبات أكثر بعداً مما نظن و لكنه الطقس الاحتفالي و لو بشكل مسرحي. |
|