تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من يتحمل مسؤولية التشرذم العربي ؟

شؤون سياسية
الأثنين 2-4-2012
هيثم عدرة

من يتابع مايجري على الساحة العربية يدرك انه توجد خلافات عميقة بين هذه الدول , وأضحت تأخذ طابعا تناحريا من خلال التدخل المباشر وغير المباشر بالمعطيات الداخلية ومكوناته من قبل بعضها , والأسباب تتعدد وتتشعب , ومن أهمها الابتعاد عن جوهر القضية الأساس وهي قضية فلسطين وأصبحت بعض الدول العربية يتحدد موقفها من بعض الدول الأخرى العربية بمقدار البعد عن هذه القضية .

ربما يقول البعض إننا نتحدث في إطار العموميات ليس أكثر , ولا بد من أن نضع مثالا واضحا حول ماجرى في ليبيا وكانت رأس الحربة أمام حلف الناتو قطر التي أبدت حماسها أكثر من أي دولة عربية أخرى , فإلى جانب الدعم السياسي والمالي والإعلامي وهو الأهم لعمليات قوات المعارضة آنذاك والتحالف الغربي ضد نظام القذافي , قدمت قطر إسنادا عسكريا كبيرا ليس فقط بالطائرات الحربية , فالمعلومات تؤكد في حينها عن مئات الأفراد من القوات الخاصة القطرية الذين شاركوا في العمليات البرية على الأراضي الليبية في أوج النزاع الحربي , خلافا للقرار الدولي تسعة عشر وثلاثة وسبعين , فيمكن القول إن قطر كانت حلقة الوصل بين المعارضة الليبية وقوات الناتو في جميع المراحل التي تعرضت لها ليبيا لهجمة استهدفت جميع المقومات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية و...الخ , ويمكن أن نلاحظ حالة الفلتان الأمني التي تعيشها ليبيا والتناحر بين الميليشيات على مناطق النفوذ.‏

الأمر الآخر هو الحماس القطري الذي لاحظناه ولاحظه العالم بأسره من اجل التدخل العسكري في سورية ووفق السيناريو الليبي , والذي أصبح هذا الموضوع الشغل الشاغل لقطر تجوب أنحاء العالم , وكل ماذكرناه هو عبارة عن أمثلة غير قابلة للتأويل بواقع التدخل الفعلي في الشؤون الداخلية , وبالطبع كل ذلك يؤدي خدمات لاتقدر بثمن لإسرائيل من جهة ومن جهة أخرى التطبيق الفعلي لمخططات الولايات المتحدة في المنطقة , فالمتابع لما يجري على الساحة العربية هو دعم مجموعة من التمردات والتي جميع مظاهرها انعكست سلبا على مجمل تفاصيل الحياة في تلك الدول التي بها اضطرابات والهدف هو إضعاف الدولة الوطنية القوية وإلحاق أضرار اقتصادية كبيرة بالشرائح ذات الدخل المحدود , وهذا يجعل الحالة مهيأة لتطبيق المخططات بسهولة والتي رسمت في الغرف المظلمة لأمركة العالم والمنطقة وفق المشيئة التي تحددها الولايات المتحدة إن كان على المدى القريب أو البعيد .‏

الخلافات العربية يمكن الحديث عنها الكثير الكثير ,فالمراقب لهذه الحالة يلاحظ للوهلة الأولى وكأنها تتعلق باعتبارات ثانوية أو بتراتبية الزعامة , لكن الأمر يبدو أكثر تعقيداً, فمن الواضح أن واشنطن قررت تغيير سياساتها تجاه أنظمة الحكم في الدول العربية وتجاه منطقة غرب آسيا بشكل عام , ويبدو أن الخلافات العربية هي بالدرجة الأولى خلافات في القراءة للسياسة الأمريكية من جهة أولى , وخلافات في كيفية التأقلم أو الرد على هذه السياسات .‏

لايوجد استراتيجية عربية لمواجهة مخططات الولايات المتحدة في المنطقة , وهذا يجعل طبيعة الخلافات بين الأنظمة العربية كبيرة , فبعضها يساهم في رسم وتنفيذ السياسة الأمريكية في المنطقة والغالبية يتسابق لإرضاء شهوة الولايات المتحدة في السيطرة المطلقة على هذه المنطقة الهامة من العالم , وهذا يفسر طبيعة الخلافات العربية , فبعض المحللين في الغرب يعتبر أن نظرية ( الدومينو) أي أن انهيار أي نظام عربي سيؤدي إلى انهيارات متلاحقة لبقية الأنظمة , بغض النظر عن مواقفها أو حمايتها للمصالح الأمريكية , وان بداية ( الدومينو ) سيكون في انهيار النظام العراقي ويضيف بعض المحللين انه بعد انهيار النظام العراقي سيشهد الواقع العربي تبدلات وتحولات تشبه إلى حد كبير ماشهدته أمريكا اللاتينية في نهاية الثمانينات , عندما أطاحت واشنطن بمختلف أنظمة القارة وتلك التي كانت آنذاك تخدمها وتحمي مصالحها .‏

ومن هنا فإن محاولة بعض الحكام العرب الاحتفاظ بأماكنهم تبدو اقرب إلى تفضيل الانتحار الفردي بعيدا عن صيغة مشتركة للتعاطي مع الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة , والذي يتابع ماجرى بعد غزو العراق وحتى الآن يلاحظ المخططات الأمريكية وإلى ماترمي إليه من تمزيق للمنطقة وتفكيكها وتفتيتها لتطبيق مخططاتها إن كان على المدى القريب أو البعيد .‏

إن نظرة متأنية لما يحدث في المنطقة العربية يوصلنا إلى خيبة أمل من خلال المخططات الأمريكية التي أصبحت أكثر وضوحا والتي خلفت وراءها ضحايا بشرية في أكثر من بلد عربي , وما قام به الناتو في ليبيا يعطي مثالا واضحا لما هو مبيت عبر صيغة التدخلات العسكرية لترتيب المنطقة وفق المشيئة الأمريكية ونلاحظ ماجرى ويجري إن كان في مصر أو اليمن أو العراق , هو حالة من الاضطرابات الداخلية والفوضى تهدف إلى تقويض مكونات الدولة , والذي يتابع طبيعة الهجمة الشرسة التي تقودها بعض الأنظمة العربية ضد سورية يدرك حجم المؤامرة والتي يديرها بعض العرب لعلهم يسترضون الولايات المتحدة , ولكن الأيام ستثبت أن المخطط يرمي إلى تغيير وجه المنطقة برمتها , وكان يتطلب من العرب نوعاً من التوحد بدلا من حالة التشرذم والتآمر , ولابد من القول إن الواقع العربي يتجه نحو آفاق مظلمة خصوصا ممن سلم إرادته للقوى الخارجية ولمخططاتها التي تمارس دون ريب تأثيرا متزايدا على الأحداث في المنطقة , وستبقى شعارات الولايات المتحدة (بالحرية والديمقراطية ) واجهة ليست أكثر من ذلك والهدف هو قتل العرب بطريقة ممنهجة ومدروسة لتنفيذ استراتيجيتها .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية