|
ثقافة وسط صمت عربي مطبق لم يحرك الاعراب ساكنا ابدا بل ان بعضهم كان فرحا بهذا العدوان ومد يد العون بشكل او اخر، وحده الجندي العربي السوري كان في الميدان يدافع عن العروبة عن لبنان خليل حاوي الشاعر الرائي الذي استشرف القادم ورأى ان العصر هو عصر العدو الذي استطاع ان يخترق الحصون العربية واحدا تلو الاخر، نعم رأه كذلك لكن إلى حين وليس إلى زمن طويل فكان انتحاره احتجاجا على هذا العدوان وصرخة بوجهه لمن يسمع ولكن لا حياة لهم ابدا، الشاعر خليل حاوي الاستاذ الجامعي والشاعر والمبدع لم يعش حياة الترف ابدا بل كانت حياته دائما في قلق وعطاء وإبداع عمل في مهن كثيرة واستطاع ان يترك البصمة التي غيرت الكثير في المشهد الابداعي واذا كان لابد من الوقفة عند بعض ملامح حياته، فإن المعلومات تقول إنه ولد عام ( 1919) في (الشوير), ودرس في المدارس المحلية حتى سن الثانية عشرة حين مرض والده فاضطر إلى احتراف مهنة البناء ورصف الطرق. وخلال فترة عمله عاملاً للبناء والرصف, كان كثير القراءة والكتابة, ونَظَم الشعر الموزون والحرّ, بالفصحى والعامية. علَّم حاوي نفسه اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية, حتى تمكن من دخول المدرسة, ثم الجامعة الأمريكية التي تخرج منها بتفوق مكَّنه من الحصول على منحة للالتحاق بجامعة كامبردج البريطانية، فنال منها شهادة الدكتوراه. وعاد إلى لبنان ليعمل أستاذًا في الجامعة التي تخرج فيها, واستمر في هذا العمل حتى وفاته. ومنذ بداياته, بدا شعر خليل حاوي وكأنه قد (أدخل رعشة جديدة على الشعر العربي), كما قال (فكتور هيغو) عن شعر (بودلي). فقد ابتعد حاوي عن ارتياد الموضوعات الوصفية والمعاني والصور المستهلكة, واستضاء دربه الشعري بثقافته الفلسفية والأدبية والنقدية, وجعل النفس والكون والطبيعة والحياة موضوعَ شعر. وشعره الأخير تعبير عن المجالدة للوصول إلى يقين نهائي, أو إلى مطلق دائم. وكان الصراع بين المادة والروح واضحًا في ذلك الشعر: صراع من أجل التحرر من المادة ومن الكثافة, وحنين إلى الشفافية النافذة التي طالما حلم بها شعراء سبقوه أمثال (ماللّري) و(فاليري) و (رامبو). كانت الرموز قوام شعر خليل حاوي رموز حسّية, ونفسية, وأسطورية, وثقافية. وقرب النهاية, عرف شعره الرموز المشهدية, التي ضمت في قلبها رموزًا متعددة ومتوالية. من دواوينه المنشورة (نهر الرماد) (1957), (الناي والريح) (1691), (بيادر الجوع) (1965), (ديوان خليل حاوي) (1972), (الرعد الجريح) (1979), و(من جحيم الكوميديا)ولعل قصيدته ليالي بيروت تمثل نبوءة شعرية رائعة بحال لبنان وما الت اليه احواله اذ يقول: ليالي بيروت في ليالي الضيق والحرمان والريح المدوي في متاهات الدروب من يقوينا على حمل الصليب من يقينا سأم الصحراء من يطرد عنا ذلك الوحش الرهيب عندما يزحف من كهف المغيب واجما محتقنا عبر الازقة انة تجهش في الريح وحرقة اعين مشبوهة الومض واشباح دميمة ويثور الجن فينا وتغاوينا الذنوب والجريمة ان في بيروت دنيا غير دنيا الكدح والموت الرتيب ان فيها حانة مسحورة خمرا سريرا من طيوب للحيارى في متاهات الصحارى في الدهاليز اللعينة ومواخير المدينة ممن يقوينا على حمل الصليب كيف ننجو من غوايات الذنوب والجريمة من يقينا وهلة النوم وما تحمل من حمى النهار اين ظل الورد والريحان يا مروحة النوم الرحيمة آه من نومي وكابوسي الذي ينفض الرعب بوجهي وجحيمه مخدعي ظل جدار يتداعى ثم ينهارعلى صدري الجدار وغريقا ميتا اطفو على دوامة حرى ويعميني الدوار وفي قصيدته الجسر يبشر بشرق جديد ليس الشرق الذي يريده الاعداء والمتصهينون يقول في نبوءته الشعرية: ومتى نطفرُ مِن قبوٍ وسجْنِ ومتى, ربَّاهُ, نشتدُّ ونبني بِيَدينا بَيتنا الحُرَّ الجَديدْ يَعبرونَ الجِسرَ في الصبحِ خفافًا أَضلُعي امتَدَّتْ لَهُم جِسْرًا وطيدْ مِن كُهوفِ الشرقِ, مِن مُستنْقعِ الشَرقِ إِلى الشَّرقِ الجديدْ أَضْلُعي امْتَدَّتْ لَهُم جِسرًا وطيدْ «سوفَ يَمضونَ وتَبْقى» «صَنَمًا خلَّفَهُ الكهَّانُ للريحِ» «التي تُوسِعُهُ جَلْدًا وَحرْقًا» «فارغَ الكَفَّيْنِ, مصلوبًا, وحيدْ» «في ليالى الثَّلْجِ والأفقُ رمادٌ» «ورمادُ النارِ, والخبز رمادْ» «جامِدَ الدَّمْعَةِ في لَيْلِ السهادْ» «ويوافيكَ مع الصبحِ البريدْ:» «.. صَفحَةُ الأخبارِ.. كم تجترّ ما فيها» «تُفَلِّيها.. تُعيدْ..!» «سوفَ يَمضونَ وتبقى» «فارغَ الكَفَّيْن, مصلوبًا, وحيدْ» نعم سوف يمضي كل شيءإلا أبناء الشرق الحقيقيون الذين يصنعون الان فجرا جديدا يبدأ من روح المقاومة التي بشر بها. خليل حاوي الشاعر الذي دفع حياته راضيا من أجل كرامة العرب والعروبة لكنهم لم يكونوا آبهين له والتضحيات أعطت الحياة معناها. خليل حاوي وانت في خلود إبداعك قد بشرتنا بشرق جديد وقيامة جديدة ها نحن نعلن ان دمك يزهر وان بشراك نحن نصنعها شرقا جديدا لنا. لحضارتنا لتاريخنا لا من غباء ومؤامرات كوندليزا ولا جون كيري ولا من نفط الدنس انه شرقنا النقي. |
|