تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المعجزة الكنعانية

الملحق الثقافي
4-6-2013م
عقبة زيدان:بنى الكنعانيون المعابد والمزارات، فكان المعبد مسكناً للآلهة، كالبيت بالنسبة للبشر. وهو مركز اتصال بين الإنسان والإله، ويعود أقدم معبد للألف العاشر قبل الميلاد في أريحا ومجدو.

كان الخبز والخمر من القرابين التي تقدم للآلهة. وكانت القرابين الكنعانية تضم ضحايا من البشر إلى جانب قرابين الحيوانات المألوفة. تقدم القرابين الآدمية في الكوارث العامة على أنها أعظم قربان يمكن أن يقدمه الإنسان للآلهة. ومن العادات تقديم الأبكار من الأبناء لدى الكنعانيين القدامى. وكان الطفل يدفن في جرة من الفخار.‏‏‏‏

‏‏‏‏

أثرت الميثولوجيا الكنعانية على الميثولوجيا الإغريقية، ومن الآثار المكتشفة نجد أن الثورة في الفكر الإغريقي القديم على صعيد العلم والفلسفة والفن والدين، والتي تسمى «المعجزة الإغريقية» لم تكن لتظهر لولا معجزتي «بابل وكنعان» الفكريتين. لقد اختلط الكنعانيون بالإغريق عن طريق الأسفار التجارة والمستوطنات المتاخمة، حتى إن بعض المستوطنات الكنعانية أقيمت في بلاد اليونان مثل «طيبا»، إلى جانب الاختلاط الكنعاني الإغريقي في قبرص. وبسبب هذا الاختلاط بات المؤرخون يختلفون في نسب بعض كبار أهل الفكر القدامى، أهم إغريق أم كنعانيون؟ هل تاليس وفيثاغورس كنعانيان أم إغريقيان؟ ونجد شاعراً مثل هوميروس يدعو الكنعانيين «شعب الآلهة» و»حملة لغة الآلهة».‏‏‏‏

دماء أدونيس‏‏‏‏

ولد أدونيس ابناً للخطيئة. قامت الابنة «مرة» وبإلهام من عشتار «أفروديت» بخدعة والدها «متياس» فحبلت منه. ولما عرف الملك متياس الحقيقة، أراد ذبح ابنته الشاذة، فهربت وتوسلت للآلهة، فحولتها إلى شجرة تحمل اسم «مرة» أو شجرة المر. وعندما انقضت عشرة أشهر انفتحت الشجرة وخرج أدونيس إلى الحياة.‏‏‏‏

فتنت الإلهة أفروديت بجمال الطفل أدونيس، فوضعته في صندوق وسلمته إلى بيرسيفونة إلهة العالم السفلي لتعنى به. لكن بيرسيفونة أحبته بدورها ورفضت إعادته إلى أفروديت. حل كبير الآلهة زفس النزاع، بأن يبقى أدونيس ثلث السنة مع بيرسيفونة وثلثها مع أفروديت، والثلث الباقي حسب إرادته، فاختار أفروديت.‏‏‏‏

‏‏‏

كان أدونيس يحب الصيد. وكان يلتقي بعشتار «أفروديت» آلهة الحب والجمال، التي اخترقت سهامها قلوب البشر والآلهة على السواء. وكانت أفروديت تبادله الهوى وتتبعه في الأحراش. وقد خرج أدونيس مرة لوحده، فشاهد خنزيراً برياً، فرماه بسهم لم يصب منه مقتلاً. هاج الخنزير البري المجروح، وهجم على أدونيس ومزقه، فسقط الشاب الجميل على الأرض وهو ينزف، حتى وصل أنينه إلى عشتار. نزلت إليه عشتار ملهوفة ورأت دمه ينزف بغزارة، فأخذت تبكي عليه بحرقة.‏‏‏‏

سالت دماء أدونيس وتلونت مياه نهره بها، ورحل إلى العالم السفلي. وعندما حاولت عشتار إرجاعه، رفضت بيرسيفونة واحتفظت به. فما كان من عشتار إلا أن اشتكت لكبير الآلهة، فقضى بأن يبقى أدونيس في الشتاء والخريف بصحبة ملكة الموت ويعود كل ربيع وصيف إلى صحبة ملكة الجمال والحب. ومع بدء الخريف كانت تتخضب مياه نهر أدونيس بدمائه، ومع بداية كل ربيع مع إطلالته كانت تتفتح زهور حمراء اللون، حيثما سقطت قطرة من دم أدونيس.‏‏‏‏

انتقلت عبادة «أدون» إلى بلاد اليونان وعرف باسم «أدونيس». وكانت الاحتفالات الأدونية تقام في كل بلدان المتوسط مع اختلاف الموعد من بلد لآخر. والأدونيات كانت تمثل فيها دراما أدونيس قبل أن توجد الدراما الإغريقية. وحتى في الإسكندرية كان احتفال الأدونيات يدوم ثلاثة أيام فقط، واليوم الثالث هو القيامة والعودة. وفي جبيل أقيم أقدم معبد لأدونيس، ومنها خرجت عبادته إلى العالم القديم، وبه ترتبط فكرة الموت بفكرة الحياة.‏‏‏‏

قدموس وأوروبا‏‏‏‏

لم يتوقف الأمر على انتقال مأساة أدونيس إلى الإغريق، بل إن فضل قدموس السوري ابن أشنار وشقيق أوروبا لا ينكر في إطلاق اسم مدينة أثينا. لقد ذهب قدموس إلى الغرب بحثاً عن أخته أوروبا التي اختطفها الإله زفس، وكان أول مهاجر سوري. أسس قدموس مدينة طيبا الإغريقية قبل وجود الإسبارطيين فيها بعدة أجيال. ودلت الأختام التي تعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، على أن طيبا تعود لعائلة قدموس الملكية. ويذكر فيلون الجبيلي أن الآلهة أثينا هي ابنة الإله الفينيقي «إيل» وأن الميثولوجيا الإغريقية هي وحي فينيقي.‏‏‏‏

أدخل قدموس معه الأبجدية الكنعانية إلى بلاد الإغريق والتي هي أم أبجديات العالم، وبدأ الإغريق باستخدامها. وقد كتب على قبر زينون الرواقي الفينيقي:‏‏‏‏

إن كانت فينيقيا هي موطنك‏‏‏‏

فإن هذا لا يحط من قدرك‏‏‏‏

ألم يأت قدموس من هناك‏‏‏‏

فأعطى الإغريق الكتب وفن الكتابة؟‏‏‏‏

بدأت الحكاية حين اختطف الثور «زفس» أوروبا، فجمع الأب أشنار أولاده «فينيقس وقدموس وكيليكس» وأمرهم بالبحث عن أختهم «أوروبا» وألا يعودوا من دونها. خرج الشباب الثلاثة يفتشون عن أختهم دون جدوى، إلى أن يئسوا. وحط كل واحد رحاله في مكان: استقر فينيقس في الشمال على الساحل، فسميت البلاد باسم فينيقيا، واستقر كيليكس في بلاد هي إلى الشمال، فعرفت باسم كيليكيا. وأما قدموس، فقد كان متفائلاً ومصراً على إيجاد أخته، فذهب إلى الإله «أبولو» استشاره ماذا يفعل. أجابه «أبولو»: «لا تجهد نفسك بالبحث عنها. أسس لنفسك مدينة جديدة. وعندما تخرج من هنا ستجد «عجلة» اتبعها وتوقف حيث تتوقف العجلة. وهناك شيّد المدينة». وهكذا أسس قدموس قلعة قدميا ومدينة طيبا.‏‏‏‏

من أجل تقديم شكره للآلهة، قدم قدموس العجلة ذبيحة لها. لكن العجلة لم تكن إلا جنية ظهرت بهذا الشكل لتهديه إلى مكان بناء المدينة فقط. بعدها أرسل قدموس رفاقه ليحضروا الماء من نبع قريب، غير أن تنيناً مخيفاً كان يحرس النبع فقتلهم جميعاً، وبقي قدموس وحيداً. نازل قدموس التنين وصرعه. وفلح الأرض بأنياب التنين فخرج من الأخاديد رجال متوحشون مسلحون اسمهم «إسبارطي». عندئذ رمى قدموس حجراً بينهم فتحولوا عنه واقتتلوا وأفنى بعضهم بعضاً، ولم يبق سوى خمسة منهم، انضموا إليه وساعدوه في بناء قدميا قلعة طيبة وتحدر منهم نبلاء المدينة.‏‏‏‏

تزوج قدموس بمباركة الآلهة من هرمونيا ابنة آريس وأفروديت. وأنجبا ابناً وأربع بنات. ولكن نهاية أبنائهما كانت مريعة، فتراكمت الأحزان في قلب قدموس وهرمونيا على أولادهما وأحفادهما. هربا من طيبة إلى «الليريا» البعيدة، خوفاً من استمرار الكوارث، ولكن الآلهة كانت قد قررت مسخهما فحولت كل منهما إلى أفعى.‏‏‏‏

كل هذا بسبب رحلة التفتيش عن الأخت المختطفة أوروبا. ولكن من اختطفها؟‏‏‏‏

كان والد أوروبا وقدموس ملكاً على فينيقيا «كنعان» واسم فينيقيا هو التسمية التي أطلقها الإغريق بشكل خاص على الكنعانيين الذين سكنوا الجزء الشمالي من الساحل السوري. وتقول الأسطورة بأن أشنار كان ابن إله البحر «يم» من زوجته ليبيا، وهم اسم شمال القارة الأفريقية، والذي يطلق اليوم على الجمهورية الليبية.‏‏‏‏

حلمت أوروبا بإله أحبها، ورأت نزاعاً بين قارتين على شكل امرأتين. آسيا تقول: «إني أملكها لأني ولدتها» وتقول القارة الأخرى - ولا يتم ذكر اسمها - إنها ستملكها، لأن الإله زفس سيهبها لها.‏‏‏‏

في الصباح الباكر خرجت أوروبا مع صديقاتها في نزهة، وأخذت كل واحدة منهن تجمع الزهور في سلتها. وفي الأعالي كان زفس يستلقي بكسل ويرقب ما يجري على الأرض. وحين لمح أوروبا فتنته، وألهب بحبها، وقد ألقت أفروديت وإيروس سهماً في قلبه، وخوفاً من زوجته هيرا الغيورة، تقمص زفس شكل ثور إلهي تحيط بقرونه دوائر فضية كالهلال ونزل بالقرب من الفتيات. اقتربت الفتيات منه وبدأن بشم عطره السماوي. وما إن اقتربت منه أوروبا، ولمسته، حتى خار خواراً موسيقياً أجمل من عزف قيثارة، وانحنى أمامها فاعتلت ظهره. قفز بها زفس إلى البحر، وأعلن عن نفسه بأنه أعظم الآلهة، واعترف لها بأنه فعل هذا بسبب حبه لها.‏‏‏‏

لقد اختطفها وذهب بها إلى جزيرة كريت، في نفس المكان الذي خبأته فيه أمه عندما فرت به بعيداً عن أبيه كرونوس «أيل أبو السنين». وتقول الأسطورة إن كرونوس كان يلتهم أبناءه، وقد أنقذت الأم ابنها زفس بحيلة. وعندما وصل زفس وأوروبا إلى كريت قفز الثور إلى اليابسة وأقام حفل زفاف حضره الأعيان. وأنجب الاثنان أولاداً اشتهروا بالعدل وأوكلت إليهم محاكمة الأموات. وبقي اسم أوروبا أشهر الأسماء، وقد أطلق على القارة بأكملها.‏‏‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية