تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عند حدود كوابيســه

إضاءات
الأربعاء 15-7-2015
أحمد عرابي بعاج

يحاول الرئيس التركي الذي خسر حزبه الأغلبية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة أن يلتف على نتائجها بالحيلولة دون تشكيل حكومة ائتلافية تُفقده السيطرة على القرار التنفيذي في أجهزة الدولة التركية،

كما كان الوضع طوال ثلاثة عشر عاماً حكم فيها حزب العدالة بمفرده ما جعل أردوغان يطمع برئاسة الجمهورية ومصادرة قرار رئاسة الوزراء أيضاً وانتظار التعديلات الدستورية الكبرى التي كان يحلم في إنجازها في حال فوز حزبه في الانتخابات بما يمكّنه من أن يصبح «حاكماً عثمانياً جديداً مطلق الصلاحية».‏

وبعد تلك النتائج المتواضعة لحزبه لجأ إلى خلط الأوراق في الساحة التركية والإقليمية والدولية للضغط على واشنطن للقبول بإقامة منطقة عازلة في حلب والشمال السوري كأمر واقع تكون ورقة ضغط في يد تركيا في أي مقاربة مقبلة لحلّ الأزمة السورية.‏

الصحافة التركية الموالية لأردوغان وحزبه تروّج وتحضّ على المغامرة بحجة تأثير ما يحدث في سورية على الأمن القومي التركي، وهو إذ يحاول أن يفعل ذلك فإنه يذهب بتركيا إلى مقامرة محفوفة بالمخاطر سيكون الداخل التركي في أول تجلّياتها، وعلى حساب الشعب التركي نفسه، وذلك فقط ليعقِّد أي مسعى سياسي لحلّ الأزمة في سورية بالطرق السلمية كما اتفق على ذلك مع مشايخ السعودية وقطَر الذين تعهدوا بتمويل حربه والعصابات التي تأتمر بأمره وتلك التي يتحالف معها في الشمال السوري، والدفع بهم كرأس حربة ومن خلفهم الجيش التركي الذي ما زال يمانع في القيام بمثل تلك المغامرة غير محمودة العواقب والتي يمكن أن تذهب بالمنطقة إلى المجهول وتؤدي إلى توسع دائرة الصراع في المنطقة.‏

وتحذير الرئيس التركي السابق عبد الله غول لم يكن من فراغ، خصوصاً لجهة دعوته لتغيير سياسة تركيا الخارجية!!‏

ويبدو أن واشنطن تمسك العصا من المنتصف لا تدعم علناً، لكنها لا تُبدي اعتراضاً، ولذلك فمن غير المستبعد أن توافق سرّاً على القيام بها دون الالتزام بالنتائج، فإن تمكن أردوغان وعصاباته من التأثير في مجريات الأحداث توافق واشنطن على إقامة المنطقة العازلة التي حاولت تركيا على مدى أربع سنوات تنفيذها بأي شكل من الأشكال ولم تستطِع إلى ذلك سبيلاً لأسباب دولية وإقليمية وداخلية تركية، وإن لم تستطِع ذلك وهو الاحتمال الأقرب لأسباب إقليمية ودولية وحسابات داخلية أيضاً يتحمّل أردوغان تبعات ذلك وحده.‏

لقد بات هذا الطرح بالنسبة لأردوغان خيار المقامر الذي مازالت أحلام السلطنة العثمانية تداعب مخيلته ويتأثر بها لدرجة الاقتناع بأنه صاحب السلطة في المنطقة، ناسياً أو متناسياً أن تلك الأحلام التي تراوده على الأغلب سترتدّ عليه كوابيس تجعل من مغامرته تلك، إذا ما حصلت مقبرة لأحلامه وأحلام حزبه الإخوانية التي فعلت بالمنطقة أشنع صور الإرهاب ولم تكترث لدعوات الشعب التركي الذي قال كلمته في الانتخابات الأخيرة ووضع حدّاً لطموحاته بالسيطرة على القرار السياسي فيها إلى ما لا نهاية.‏

لقد عرقل أردوغان كل مسعى وكل محاولة أممية لوقف القتال في الشمال السوري، وتحالف مع العصابات الإرهابية المتناحرة فيما بينها ولعب دور المنسق والمستفيد بآن معاً.‏

فهل يستطيع هذا المقامر أن يجرّ تركيا والمنطقة إلى حرب إقليمية أو ربما عالمية، أم إن هناك خطوطاً حُمراً لرعونته ربما ستظهر في وجهه فجأة وتوقفه عن حدود كوابيسه.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية