تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كيف نتذوق الجمال في العائلة?

مجتمع
الأحد 22/6/2008
إعداد: سهيلة حمامة

لعل أروع ما في الحياة, هو هذا التنوع والتضارب في المشارب والأذواق, والإحساس بالفن والجمال, فالحياة بكل ما فيها من بهجة وأمل, وعلى الضد من ذلك هناك السعادة والشقاء,

وهذه الأمور لا تعتمد على المأكل والملبس والنوم الرغيد وحسب, فهي لا تمثل إلا جانباً واحداً من جوانب الحياة السعيدة, فقد نجد أناساً تتحقق لهم ألوان شتى من الغذاء والملابس الفاخرة والبيوت الاجتماعية, وهذه كلها تلعب أدواراً كبيرة في تكوين الحياة بألوان سارة ومشرقة, وقد تكون تلك الألوان رمادية أو سوداء وهذه الأخيرة تتوقف على الجوانب التالية:‏

1- مدى إحساس الفرد بالقيم الجمالية ومنذ فترة مبكرة في مراحل نمو الطفل.‏

2- الاستغلال الأمثل لفراغ الإنسان بعمل مثمر وحيوي يزرع في الناشئة قيم العمل والإحساس العالي بالمسؤولية.‏

3- مدى أداء الإنسان لجوانب أخرى من الحياة التي تشمل المثل الروحية والقيمية ولعل في مقدمة الأمور من حيث الأهمية مدى (الوعي بالجمال) والإحساس به, ومن ثم إدراكه, ذلك أن الوعي الجمالي يلعب دوراً فاعلاً في رفع مستوى الحياة وهي تتدرج من شاب إلى آخر, كما تختلف من مجتمع إلى آخر, فقد جاء أفلاطون بمظاهر أربعة, تتحدد فيها مراحل الجمال:‏

المرحلة الأولى وقد أطلق عليها: الجمال الجسماني, والثانية سماها الجمال الأخلاقي, والثالثة الجمال العقلي, أما المرحلة الرابعة فأطلق عليها مرحلة (الجمال المطلق) وهي أسمى مراحل الجمال, ووجهة نظره هي (التناسق بين الوحدات المختلفة) وسماها الجمال الأصيل أو الهارموني, إذ كان يرى أن الذوق الجمالي لا يعتبر مقياساً للإحساس العاطفي بالجمال فحسب, وإنما هو (الإحساس العاطفي للقياس الجمالي في ذات الوقت).‏

وهكذا فإن الجمال الذي نعنيه هو الاعتماد على الذوق السليم ومدى الإحساس بمكامن الجمال والقبح, أما الوعي الجمالي, فهو مدى إحساس الفرد بالمحيط الجمالي في كل ما يحل فيه الفرد.. وهذا يعتمد على أهمية الدور الذي يؤديه الإنسان في المجتمع, حيث يؤدي نمو هذا الوعي إلى الوصول إلى درجة كاملة من النضج, في النظافة والأناقة العامة وتهيئة الأسباب التي تؤدي إلى نموها بين الأفراد والجماعات, بالتعاون فيما بينهم وإذا كان الفقر والجهل, يعدان معوقين لظهور القيم الجمالية ونموها, إلا أن الدور الكبير يقع على عاتق الأم في العائلة بما تزرعه في نفوس أبنائها, ومن ثم وهي تستمر برعايتها لأبنائها في غرس تلك القيم الجمالية فيهم.. فالنظافة والأناقة, ليست كلمات تقال, أو أنها تأتي عن طريق الوعظ والإرشاد وحسب, وإنما هي (ممارسة عملية) باستمرار, حيث تأتي الممارسة لتصبح عادات مكتسبة في نفوس النشء.. خصوصاً عندما تعمل الأم على تعويد أطفالها, أن تضع لهم مناشفهم وحاجاتهم الخاصة كالأكواب مثلاً لكي يعتنوا بها, لأن مثل هذه الأمور, وإن بدت بسيطة إلا أنها ستعمل على تنمية القيم الجمالية لدى الصغار والناشئة, إضافة إلى الحرص على وضع الملابس في أماكنها كذلك الأحذية, والكتب المدرسية, وبقية الأمور المتعلقة بهم والحرص على عدم رميها كيفما اتفق, وتركها في فوضى رهيبة بعيداً عن التنسيق والترتيب.‏

وإذا كان الإحساس بالجمال يتدفق من نبع صاف, من داخل النفس البشرية فإن هناك فرصة للشباب كي يعبروا عن أنفسهم بوضوح, مع منحهم ذلك الاستقلال الذاتي, بعيداً عن الإملاء الخارجي, الأمر الذي يجعل الشاب يدرك كيفية تذوق الجمال وجوهره, فالمعاملة الأبوية أو تلك التي تصدر عن العائلة, سوف تنعكس على نفس الشاب فتشرق روحه بالطمأنينة, كما يشعر أنه محاط جمالياً في بيت عائلة هي أهل لذلك. ولكن لا بد من التنويه أن الشعور بالملكية بقدر ما تشعر الشاب أنه يميل إلى الأنانية وهذا جانب سلبي فيه, إلا أن هناك جانباً إيجابياً آخر, ألا وهو الشعور بالقيمة العالية لديه, فيعتني بغرفته ويرتب أثاثها, وربما وضع فيها من لوحات أو مزهريات, وبما أضفى عليها من لمسات ذوقية وجمالية خاصة به, فقد ترى الشباب وهم يضعون صوراً لرياضيين أو فنانين ممن يعجبون بهم! وهذه الرموز جميعاً تشعرهم بالهدوء والاستقرار وتنمي عندهم الإحساس بالقيم الجمالية والإدراك السليم في ترتيب خزاناتهم وأثاث غرفهم على العموم. إن تقديس الجمال والمحافظة عليه ولا سيما العناية بالزهور في حديقة البيت وترتيبها, ووضع بعض اللوحات هنا وهناك, مع التوزيع الجيد للإنارة وطلاء البيت بألوان هادئة ومريحة, والترتيب الجيد للستائر والشراشف المحيطة بالسرير, وبقية الأثاث وترتيب الزهور.وكلها تأتي كعامل تعزيز مهم في تهيئة النفس وانشراحها.. وهذه كلها عوامل تدعو إلى الإحساس بالقيم الجمالية ورفع مستوى الذوق لدى الشباب والأحداث, ومن ثم الكبار.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية