تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أمل دنقل: الصعيدي الذي يكره المنطقة الوسط

كتب
الأحد 22/6/2008
لميس علي

مصري جنوبي ,عقيدته في الحياة اللامساومة,اللا صلح,ليس فيه وجودي السليم..لا للمنطقة الوسط التي يتلاشى فيها اللون..فلا أبيض ولا أسود..بل مزيج من لون عديم الماهية..حيث العماء التام ,مناطق يكسوها الرماد..مقتها(أمل دنقل) وأعلى الصوت في رفضها..محتقراً الحلول وحتى الانفعالات الوسط.

جنوبي بري,صعيدي متمدن,لحين اقتحام الآخرين,ويستحيل عليهم اقتحامه..ذاك الفوضوي المحكوم بالمنطق زبداً,خفي وصريح,ضاحك ساخر وصامت..استعراضي يتيه كبرياء,وبسيط بساطة الحجل ذاته..هو ذاك الجامع لكل تلك التناقضات,كما تصفه زوجته عبلة الرويني في كتابها الموسوم ب(الجنوبي)..تقول(تأخذ محاولة العثور على مدخل حقيقي لشخصية أمل شكل الصعوبة حين نصطدم فيه لعالم متناقض تماماً,يعكس ثنائية حادة ,كل من طرفيها يدمر الآخر.ويشتت الكثير من أشكالها..إنه الشيء ونقيضه في لحظة نفسية واحدة يصعب الإمساك بها والعثور عليه فيها).‏

عبلة الرويني في سردها لقصة حياتها مع أمل دنقل ,تبدو كمن أحبت هذا الرجل حتى قبل أن تلتقيه.في عام 1975 في بداية عملها كصحفية بجريدة الأخبار أرادت إجراء حوار مع الشاعر دنقل,الذي كان شاعراً يسارياً يمنع تداول اسمه في تلك الفترة..وكان اللقاء الأول..وانطباعها الأول..(إن هذا الشخص مختلف عن الآخرين ,يتكلم لغة أخرى, يسلك سلوكاً آخر,بل ويحس أحاسيس أخرى فمنذ اللحظة الأولى سقطت كل المسافات والادعاءات والأقنعة,وبدا لي وجه صديق أعرفه منذ زمن).‏

تنتمين إلى قلبي:‏

في مقهى ريش,حيث الملتقى,المكان الذي أخذ يجمعهما في فترة تعارفهما الأولى,أحد جلساء المقهى قال مخاطباً أمل(إنها ليست منا)مشيراً إلى الفارق الطبقي بين عبلة القادمة من عائلة برجوازية,وبينهم هم معشر الفقراء..(في هذا اليوم قرر أمل ألا يحادث هذا الشخص لأنه أغضبني,وقبلني على رأسي مؤكداً علناً..لست مطالبة بالدفاع أمام أحد على الإطلاق..إنك تنتمين إلى قلبي).‏

على الرغم من اختلاف عالميهما فقد كان الزواج بإصرار من عبلة وبعد رفض من أمل ,لأسباب يلخصها :(إنني أتكلم عن صميم علاقة الحب بك.إنني أتكلم عن كوب الشاي الذي لابد أن أدعوك إليه,إنني أتكلم عن ثمن علبة سجائري التي لا بد من توافرها معي كي لا أستعير سجائرك..‏

إنك تعملين وأنا لا أعمل,ولن أعمل..إنك تحملين شهادة جامعية,وأنا لم أفكر,وربما أمتلك ما كان يمكنني من مواصلة الدراسة بكلية الآداب ..).‏

فوارق كثيرة لم تشكل مانعاً حقيقياً في وجه حبهما,الفقر كان أكبر تلك التحديات,فمن شقة مفروشة تنقلا إلى أخرى,ومنها إلى إقامة مؤقتة في فندقٍ ما,تذكر عبلة أن أطول فترة أقاما فيها معاً بعد الزواج دون تنقل كانت في الغرفة رقم (8) في معهد السرطان..‏

فبعد مضي تسعة أشهر فقط على زواجهما في أيلول1979 ,تم اكتشاف ورم صغير في جسد أمل,عولج ليعاود الظهور عام 1980م,وليستفحل بشكل شديد الخطورة عام 1982م,بعد أشهر قليلة سيفتك المرض بذاك الجنوبي الذي كتب أروع قصائده وهو على فراش الموت ,وكما أن ذاك المرض هو سبب الدخول لمنطقة وجدانية جديدة,تلك التجربة سماها (إعادة اكتشاف الجمال في نفس الإنسان),حيث شهدت الغرفة رقم (8) ولادة ست قصائد (ضد من-زهور-لعبة النهاية-الخيول-السرير-الجنوبي).‏

كانت دوماً القصيدة لديه بديلاً من الانتحار ..هي مهدئ تطعم الموت القادم لا محالة.في أسوأ لحظات حياته,في أشدها تهديداً بالموت ,بقي أمل دنقل شاعراً وإنساناً حقيقياً (يستحيل عليه النوم متنازلاً أو مساوماً أو مصالحاً)متسلحاً بالشعر والحب,(لو لم أكن أحبك كثيراً لما تحملت حساسيتك لحظة واحدة,تقولين دائماً عني ما أدهش كثيراً عند سماعه,أحياناً أنا ماكر,وأحياناً ذكي,رغم أنني لا أحتاج إلى المكر أو الذكاء في التعامل معك,لأن الحب وسادة في غرفة مقفلة أستريح فيها على سجيتي.إنني أحب الاطمئنان الذي يملأ روحي عندما أحس بأن الحوار بيننا ينبسط ويمتد ويتشعب كاللبلاب الأخضر على سقيفة من الهدوء).‏

الكتاب:الجنوبي - المؤلفة:عبلة الرويني ,طبعة دار ممدوح عدوان‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية