تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


يوليسيس: تثوير العمل الأدبي في القرن العشرين

كتب
الأحد 22/6/2008
لم يكن غريباً لرسالة عاطفية ملتهبة كان قد أرسلها الروائي الايرلندي الشهير جيمس جويس إلى زوجته أن تحقق رقما قياسيا عندما بيعت في مزاد في العاصمة البريطانية لندن بنحو 241 ألف جنيه استرليني (اكثر من 421 ألف دولار).

وقتها ذكر مزاد سوذبي اللندني إن الرسالة التي بعثها جويس إلى زوجته نورا بارنسل بيعت بأعلى سعر تحقق في القرن العشرين.‏

وقد اشترى رسالة جويس, التي كان مقدرا لها أن تباع بحدود 60 ألف جنيه استرليني, والتي وصف فيها زوجته نورا بأنها (غانية بعينين وحشيتين), مشتر فضل عدم الافصاح عن هويته.‏

ووصلت حصيلة بيع تلك الرسالة مع بعض المقتنيات الأخرى لجويس, صاحب روايات (يوليسيس) و (الدبلنيون) و(صورة الفنان في شبابه) وغيرها, إلى نحو 722 ألف جنيه. كتبت الرسالة في شتاء عام 1909 عقب عودة جويس إلى دبلن لوحده دون نورا, وهي أول مرة يفترق فيها الزوجان منذ مغادرتهما العاصمة الايرلندية إلى تريستي في ايطاليا قبل ذلك بخمسة أعوام.‏

مؤخراً صدرت يوليسيس أو عوليس في طبعة جديدة عن دار المدى في دمشق.‏

للوقوف على أهمية هذه الرواية لابد من الوقوف عند بعض خطوطها العريضة التي تحدث عنها الأدباء والنقاد:‏

- المدرسة الفرنسية في النقد تعتبر جويس أبو الرواية الوثائقية. وجاك دريدا يطلق عليه : معجزة الرواية في القرن العشرين.‏

- دبلن احتفلت بالطبعة 36 ليوليسيس.‏

- أوذيسة جديدة من وجهة نظر حداثية.‏

- قراءة عشر صفحات يومياً من يوليسيس تعتبر انجازا‏

- أمريكا تمنع نشر الرواية وانجلترا تعتبرها عنلا لا أخلاقي. .وباريس تنشرها. قال جيمس جويس لأحد اصدقائه مرة: ان احد الاشياء التي لم اعتد عليها ابداً في شبابي كان الاختلاف الذي وجدته بين الحياة والادب!.‏

- (لقد حاول جويس في يوليسيس ان يوضح بشكل مستفيض ودقيق ومباشر وبكلمات بسيطة, ماهية مشاركتنا في الحياة, فهي تشبه او بالأحرى تبدو لنا بأنها تشبه, انا نحيا هذه الحياة أو نعيشها من لحظة لأخرى.‏

ولد جيمس جويس في شباط من عام 1882 في مدينة دبلن الأيرلندية‏

اشتهر جويس باستخدامه التجريبي للغة وبحثه في المناهج الادبية الجديدة الممكنة, واستخدامه لأسلوب (تيار الوعي) الذي كشف عن مسار الانطباعات و الهواجس, وانصاف الافكار, وتداعيات المعاني, والشكوك, والدوافع, اضافة الى الافكار العقلانية لدى شخصياته.‏

المشاكل الصحية والمالية تقريبا لم تفارق جويس بينما كان يعمل في كتابة يوليسيس ويذكر أنه تحمل ألم 25 عملية جراحية اجريت له جراء اصابته بمرض في العين خلال ذلك استمر جويس في الكتابة.‏

جويس استلهم حياته لأغناء ادبه. و بشكل رئيس حياته الخاصة. كان جيمس اوغسطين يولبوس الابن الأكبر من بين عشرة أبناء لجون وماري جين جويس. الأب كان رجلاً سريع الغضب,و سكيراً, و الأم كانت امرأة ورعة . وكان للمكتبة التي يحتويها المنزل تأثيرا كبيرا في تثقيفه المبكر. يعد لقاؤه بنورا بارسنل نقطة تحول حقيقية في حياته الشخصية, ومعها غادر جويس دبلن مع كل ما ادخره وكتبه من قصص وروايات كان يخزنها في ذاكرته, وما كان عليه سوى تحويل هذه الذخيرة الى فن يليق بآماله وتطلعاته.‏

عندما كان جويس ينتقل مع نورا وطفليهما بين وحول المدن الاوروبية ومنها: بولا, تريست, زيورخ, روما, وباريس استطاع ان يحصل على وظائف عدة بين التعليم والتوظيف الحكومي مكنته من توفير الدعم المادي لعائلته والكتابة, فجاء الاصدار اول لكتابه الروائي الدبلنيون مواطنو دبلن- 1914 اذ تضمن خمس عشرة قصة قصيرة ذات حكايا وحبكات تلقليدية لكنها متماشية مع استحضار البيئة واللغة الدبلنية, بعدها بورتريت لفنان شاب- 1916 الرواية التي قدمت موضوعاً متميزاً ومقالاً معقداً لغوياً عن ستيفن ديدالواس, وهي شبه سيرة ذاتية بينت بأن جويس منذ ولد وحتى قرر مغادرة دبلن كان منشغلاً في صناعة فنه.‏

بدأ بكتابة يوليسيس 1914 , وقد ظهرت اجزاؤه بالتتابع في مجلة غويست في انكلترا ولتل ريفيو في الولايات المتحدة حتى صادرت دائرة البريد ثلاثة اعداد من هذه المجلات تضمنت مقتطفات من اعمال جويس على اساس انها اباحية وغرمت المحررين 100 دولار. وعزز عمل رقابة المطبوعات هذا حب الاستطلاع لدى الناس لمعرفة العمل القادم لجويس حتى قبل ان يصدر كتاب يوليسيس, اذا كان النقاد يقارنون الافكار المتطلعة لجويس بأفكار انشتين وفرويد.‏

في يوليسيس يعتمد البنية الهوميرية للأوذيسة ليبني ملحمة معاصرة ومخالفة حيث نجد أن عوليس القرن العشرين هو الزوج المخلص الذي يغفر خيانات زوجته أي أن بنلوبي تخلت عن دورها التاريخي في انتظارها الشهير لأوذيس. يتتبع تحركات البطل كذلك المئات من سكان دبلن, وهم يسيرون في الشوارع, يلتقون ببعضهم, يتعارفون ويتحدثون في المطاعم والحانات, تحركات ونشاطات تبدو عشوائية, سجل يومي لأحداث المدينة, لكن في الواقع لاشيء عشوائي في احداث يوليسيس لكنه يكشف لنا عن العمق المتخفي وراء تلك الأشياء التي تبدو لنا عفوية غير مرتبة.‏

تي. اس. اليوت الذي وضع اسس الرواية الجديدة كتب يقول (ان استخدام جويس للاسطورة الكلاسيكية في تنظيم التجربة الحديثة كان لها الاثر الكبير في الاكتشاف العلمي).‏

ان رواية يوليسيس صنعت شهرة جويس, مع انها لا تتفق دائماً مع الاسلوب الذي يرغب به, عندما اقترب احد المعجبين منه وقال له(هل اقبل اليد التي كتبت يوليسيس?) قال جويس: »لا انها ارتكبت اشياء اخرى كثيرة ايضاً)‏

يوليسيس اصبحت كتاباً مرجعياً لأدب القرن العشرين, ووسعت مجال المواضيع المباحة في الرواية. واذا صح ما أراده جويس :أردت رواية أعذب فيها البشرز أيضا هي رواية تثقف من يقرأها رغما عنهزربما لهذا ألتقطت صورة لمارلين مونرو وهي تقرأ يوليسيس.‏

براعته بغزل الالفاظ التي يصف فيها كل ما يخطر على بال البطل جعل يوليسيس معجماً حقيقياً في اساليب الكتابة لكثير من الكتاب ويمكن التقاط تأثيرات يوليسيس يمكن ان تلاحظ في اعمال وليم فوكنز, صاموئيل بيكت, غابرييل غارسيا ماركيز. .‏

لكن المؤلف الوحيد الذي حاول تخطي المدى الموسوعي ليوليسيس هو جويس نفسه, فقد قضى 17 سنة في العمل في عمل آخر هو »يقظة فينغانس ).‏

< ل - ه - ح‏

الكتاب: يوليسيس - ترجمة صلاح نيازي - صادره عن دار المدى - ضمن سلسلة أعمال خالدة - 2008 - قطع متوسط في 280 صفحة‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية