تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الواقع ليس مجرد وقائع متناثرة للاستغلال والتوظيف

شؤون سياسية
الثلاثاء 22-1-2013
بقلم: د. أحمد الحاج علي

سوف لن نغفل عن الواقع، و لن نغادره و نحن نعيشه ولن نغادره و نحن نقوّم ونحلل مواده المتفجرة عبر منظومة الإرهاب الراهن على سورية، ولطالما أدركنا بأن المؤامرة كونية علينا من حيث طبيعة و عدد القوى المنخرطة فيها بكل الثقل الموجود لدى هذه القوى،

ومن حيث الأسلحة المادية و العسكرية و المالية والإعلامية التي زجت بتدفق لا ينقطع عن هذه المؤامرة الخطيرة، و نعود لفكرة الواقع وهي مادة الرهان في هذه اللحظة وما زلنا نرى على سبيل المثال بأن القوى الحاقدة تعمم الخاص وترفع الجزئية إلى مستوى التيار الجارف و المستقر، هكذا يدّعون بأنهم يسيطرون على نسبة كبرى من الأرض السورية، وهكذا يدعون بأنهم يتجاوبون ويستجيبون لقطاعات واسعة من الشعب السوري ويظهر بصورة فاضحة مدى التزوير و التناقض.‏

فما أسهل أن تقتنص سانحة من الزمن أو زاوية ميتة في الجغرافيا ثم تطلق على السانحة و الزاوية معاً السموم و الحقد و الخداع، فإذا متفجرة هنا و اغتيال هناك وفي مطرح ثالث قذيفة أو صاروخ ينطلق على أي هدف في التداول و يعلمنا الواقع بأن الإنسان في الشارع هو هدف وكشك بيع الخرداوات هو هدف والمدرسة والمسجد والكنيسة و الجامعة و المنزل و المشفى ومعمل الأدوية وفرن الخبز وقائمة لا تنتهي هي هدف أيضاً فالمهم هو أن ينطلق الحقد من أدواته و أن تنتشر ثقافة الرعب و التخويف إضافة إلى ما يمكن استثماره لتصوير النذالات إعلامياً على أنها مواجهات و معارك طاحنة و انتصارات كبرى، إنه إذاً الجيل الجديد من أساليب التضليل و قد جاء في هذا الموعد ملقحاً بكل ما أنتجته الحالة الاستعمارية على مر التاريخ.‏

و في مثل آخر ترى هذا الهيجان الذي تقوده دول الغرب و ملحقاتها في تصوير كل مشاهد الإرهاب على أنها أنشطة معتادة للنظام السياسي وللقوات المسلحة، لم تعد الصفاقة كافية لتفسير هذا التزوير ولقد رأينا بالأمس كيف قالوا إن الجيش العربي السوري هو الذي أطلق الصاروخين على طلاب جامعة حلب في اليوم الأول لموسم الامتحانات و في الدقائق الأولى لارتياد قاعات الامتحانات و هي الأمل والصبوة و الحلم الذي يكبر لكي ينمو الوعي و العلم مع كل سنة في عقول شباب الجامعات وهم في طريقهم إلى المجد الأسمى عبر حصولهم على الشهادة الجامعية، الآن تجاوزت قوى الحقد خبرة الشيطان و رغبته في النفاق و التزوير و صار القاتل ضحية وصار الحامي و الباني سفاحاً، وأغرقوا في هذه المهمة اللعينة، قتلوا المواطنين في درعا أمام المسجد اغتالوا خبرات الوطن من العلماء والضباط و النخب ثم توسعت دائرة إعدامات الحياة ببشرها وأثرها لتغتال الوجهاء و أصحاب الحمية في الوسطات الاجتماعية توخياً للمصالحة بين الناس و للتصالح مع القيم و الوطن، إنهم لا يناقضون الواقع فحسب بل يتجنون عليه و بمنطق السادي المريض نفسياً و المتلهف للخيانة و المتعطش للدم رائحة ولوناً يندفعون بهيجان منظم متناغم عبر عشرات المنصات الإعلامية لعلهم يقلبون الحقائق من جهة ويدفعون بالاثنين معاً الشعب و الجيش السوري إلى لحظة الانكفاء أمام هيجان التزوير وعواصف الحقد الأسود الدامي، إنها الحرب في الواقع، نعم و لكنها الحرب على الواقع نفسه وسوف يتوهمون كثيراً ويتآكلون كثيراً و هم يرون أن قوة الموقف الوطني و صلابة الرد بشموليته تتناسب طرداً بوضوح مع الإغراق في الجريمة السياسية المنظمة و نحن لن نستنفد دوافع الوعي الكامنة أو المطلقة فينا و التي تشكل المادة الفكرية و الموقفية لإدراك ما يجري والتقاط بدايات و نهايات الأهداف المرسومة لنا في الوطن السوري عبر هذه المؤامرة الكبرى، و في نسق مواز لن نستنفد كذلك طاقاتنا البشرية و القتالية في مواجهة هذه المؤامرة، هما خزانان مفتوحان على بعضهما، الوعي يجري وطاقة المواجهة المتوالدة، والوعي و المواجهة يعطي كل منهما الآخر ما استقر فيه وما تكون من خبرة عليه ولأنهما مفتوحان متكاملان فإن قانون الأواني المستطرقة هو الذي ينظم العلاقة بينهما ولا يخصب أحدهما بالانفلاق عن الآخر، إذ حينما تنمو مساحة الوعي تكبر طاقة المواجهة كماً ونوعاً و حينما يصبح للمواجهة معيار وعمر و معادل يؤدي ذلك حكماً إلى نمو أنساق الوعي في الحدث ذاته، والصراع في أحد أهم مساراته قائم على هذه الفكرة، يتطلع من خطط وما زال ينفذ إلى أن نخضع للتيارات القسرية فنتوهم ما ليس حقيقياً و تتمحور حول أباطيل و حيل تزرع فينا الفرقة و تستحث نزعة الانتحار و الدم في أجيالنا و تذرونا جميعاً أياً كان اصطفافنا عبر الريح الهوجاء وفي مواقع أغلبها ما زال مجهولاً والمجهول مادة تضاف للعداء، وتلقي على الاختيار الغرائزي ظلالاً دموية لأن المعرفة في الأصل هي النور الساطع والمعيار الواقعي و الطاقة التي ترد على الظلم و تكشف مساحة الظلام.‏

و هكذا نرى أن المنهج الإعلامي و السياسي و النفسي لدى القوى المعادية يتحرك على هذا الجسر القلق الذي يجب أن يدفع بالناس ليتدافعوا ولكي تستقر في أبصارهم و بصيرتهم مشاهد الدم المغلفة بالشعارات الحاقدة و بالجواذب الغرائزية، وبمعنى آخر فإن من حقائق هذا العدوان علينا أن ننفصل عن ذاتنا عن واقعنا و أن نتحول إلى مجرد كائنات غرائزية وكميات بشرية لا تدرك أبعاد ماتقع فيه، ولا تنسب نتيجة لسبب و لا تترك للعقل خيراً لكي يقدم مؤشرات الفصل بين الادعاء و الحقيقة و بين الظاهر و الباطن، لقد صدقت استطلاعية الرئيس بشار الأسد التي أطلقها في مؤتمر القمة العربية في بيروت من العام 2٠0٢ حينما قال مخاطباً تلك الأجساد الموكبية و التي تشكل بمجموعها النظام السياسي العربي بكل وجاهاته المؤلمة وثبوره المتوضعة على مساحة الوطن العربي يومها قال الرئيس بشار الأسد (يريدوننا قلباً ينبض وعقلاً لا يعمل) يومها كان الكثيرون يظنون أن الرئيس رمى إلى استقصاء نفسي و إطلاق حكم معنوي عام، لذا لم يتنبه قادة التشكيلات العربية إلى المعنى الحقيقي للفكرة، الآن تندفع بلا تريث مساحة هذه الفكرة المنهجية والتي تشكل الآن عامل الاستبداد بالصراع و قوة التوجيه المفتعل له، فالمطلوب أن ننفصل عن ذاتنا و أن نقيم سدوداً مع واقعنا مع أننا ما زلنا على قيد الحياة و الصرعة القديمة المستجدة الآن لدى قوى العالم الشرير والقوي هي أن يكون العرب بكمياتهم غير الناضبة على هذا النمو يقتلون و هم يزغردون للقتل و يعممون منطق الاغتيال الذاتي و التهديم الغرائزي دون احساس بالذنب و يحولون أنفسهم إلى عبيد و أجراء وخدم للآخر بصورة مجانية أو بما يساوي الفتات لذلك لعبوا على عامل الوعي من جهه و ما زالت قوى الاستعمار تغيّب هذا العامل، ولعبوا على عامل التخلف و فشل التجربة و نقص التربية و غياب الديمقراطية في الوقت نفسه عبر برنامج متكامل هو الحامل السياسي والإعلامي للمؤامرة الكونية التي تستهدف الوطن السوري بكامله و بوجوده التاريخي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية