|
ايمانيتيه فكيف بأولئك الذين احتشدوا وقتئذ في ساحة التحرير ليشهدوا سقوط نظام رئيسهم حسني مبارك المديد، ولكم خيل إليهم أنه سوف يظل مسمّراً إلى أجل غير مسمّى.. بالطبع راح الجيش المصري حينها ينساب بين صفوف المحتشدين محاولاً سدّ الفراغ الذي خلّفه رحيل النظام مع حاشيته، بإطلاق وعود حماسية باتجاه تلبية واحترام «المطالب الشرعية» للشعب المصري و وضع البلاد على سكّة الديمقراطية.. في ذلك المكان- أعني ساحة التحرير- كانت الأحزاب المصرية تتألق في جوّ من الفخار الوطني المستعاد، مع إصرارها على تناسي المنصب الذي كان يشغله رئيس المجلس العسكري الأعلى، حسين طنطاوي في عهد مبارك، بصفته وزيراً للدفاع.. المصريون بغالبيتهم كانوا يتابعون عبر شاشات التلفزيون المرحلة الأولى لمحاكمة رئيس بلادهم المستبد بنظر أميركا مؤخراً.. صحيح أنّ رياح الاحتجاج التونسية المنعشة كانت تهب في سماء القاهرة بقوة جلية، لكن ثمة مراقبين كثر يحاولون رسم إشارة استفهام عن المرحلة التالية لسقوط نظام مبارك ومصير مصر القادم.. شباب الثورة المصرية كانوا استوعبوا بشكل جيد أن حركتهم الاحتجاجية الهادفة لتلبية مطالبهم بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية إنما تقتضي استمرارية حشد الجهود الشعبية لإنهاء حكم نظام مبارك بكليته، خصوصاً وأن فرصة تحقيق تحولات حقيقية قد تأخرت، كما أن فوز الإسلاميين المتوقع في الانتخابات التشريعية (إخوان مسلمون وسلفيون) لايبشر بأي خير لأتباع مبارك.. في الوقت الذي تأسست فيه نقابات مستقلة، وانطلقت معها الحركات الاجتماعية الاحتجاجية بحماسة بالغة مشفوعة بإضرابات عامة واسعة، كان الإسلام السياسي مشغولاً بإظهار وجهه الاقتصادي الحقيقي: النيولبرالية.. يمكننا القول إن فوز الإسلام السياسي في الانتخابات سوف يفسح له المجال لانتزاع مكانة مهمة له داخل المجلس العسكري، وسوف يتم تكليفه بصياغة دستور جديد للبلاد. ويرى دبلوماسي غربي أن «أهداف الجيش المصري تمثلت في منح السلطة للإسلاميين، بيد أن التطورات السياسية الحالية بمقدورها الاعتماد كاملاً على قاعدة تسوية بين العسكريين والإخوان المسلمين». الموالون الوطنيون للنظام المصري السابق لم يسعوا لإلقاء السلاح جانباً بل راح البعض منهم يتطلع إلى الأخذ بالثأر والانتقام.. ذلك ما أشارت إليه بوضوح تام المواجهات الدامية التي حدثت مؤخراً في الملعب الرياضي وسط بور سعيد وذهب ضحيتها 74 قتيلاً.. الأقباط المسيحيون ويمثلون (6 إلى 10٪ من الشعب المصري) يراقبون بقلق بالغ تطور الأوضاع في البلاد لاسيما وقد تم إحراق كنيستين تابعتين لهم في أيار الماضي وسط القاهرة، وقمع تظاهرة قاموا بها في الخريف الماضي، وبشكل وحشي، الاقتصاد المصري يترنح بشكل مثير.. السياح والمستثمرون قلّت وندرت زياراتهم.. احتياطات البنك المركزي في البلاد آخذة في الشّح والنضوب.. هذه الأمور مجتمعة تثير القلق نتيجة احتمال زيادة تكلفة نظام الإعانات المالية المرتبطة بتأمين المواد المعيشية الحيوية من خبز ووقود، وغاز منزلي.. مؤخراً، قام صندوق النقد الدولي بمنح قرض لجمهورية مصر العربية بقيمة 3،2 مليار دولار أعني بعد سقوط النظام. الثوار المصريون كانوا أدركوا بعد سنة من سقوط نظام بلادهم وجهة وكيفية نشوء الأخطار الرئيسة والحقيقية. خمسون منظمة سياسية مصرية نفضت عنها كل سذاجة إزاء السلطة العسكرية متهمة إياها بالعمل على استطالة وإطالة نظام مبارك ورغبتها في زيادة مكاسب الجيش، وقمع تظاهرات «نوفمبر» تشرين الثاني الماضي.. هذه المنظمات انضوت تحت تحالف ثوري تدعو لحركات تمرد سلمية مع وجوب منح إذن انصراف للعسكريين. وكردّوحيد على ذلك، سارع العسكريون بنشر دبابات في طول البلاد وعرضها، علماً أن رئيس الوزراء الحالي كمال الجنزوري (وكان يشغل المنصب عينه أيام مبارك)، كان شجب الدعوة للعصيان السلمي كخطوة مبدئية. «لحدوث انقلاب في كافة مفاصل الدولة» وكان قد سبقه إلى ذلك، الشخصية الثانية في النظام، عمر سليمان حين صرّح بأنه «لن نتساهل بفرض عصيان سلمي! كلنا يعرف ماذا سيحدث في الأيام القادمة». على أي حال ، تتجه الأمور في مصر نحو مزيد من التعقيد قبل إقدام المجلس العسكري على تسليم السلطة في البلاد إلى رئيس منتخب، ومطالبة مختلف القوى السياسية، ما خلا الإخوان المسلمون وحزب النور السلفي بالإسراع بالانتخابات الرئاسية.. تسود في هذه الآونة قناعة بأن الثورة المصرية لم تصل إلى أهدافها رغم اتفاق القوى السياسية في البلاد بشكل نهائي على الطابع المدني للدولة، وإقرار مبدأ المواطنة وضمان حرية الرأي والتعبير، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وسيادة القانون.. بعض من هذه القوى السياسية حمّلت المجلس العسكري ماآلت إليه الأوضاع في البلاد جراء عدم مكافحته لرموز الفساد، وتقاعسه عن التعاطي مع العديد من القضايا التي فجرتها الثورة، وفي مقدمتها قضايا الفساد. هل ينجح الشعب المصري في صياغة دستور جديد للبلاد في ظل الجهاز العسكري الأعلى؟. يرى المراقبون أن كل ماحدث من دمار وخراب بسبب الثورة المصرية لم يؤدِ إلى نتائج عكسية، فلا الديمقراطية تفتحت ولا العدالة والحرية تحققت، بل ظلت هذه جميعها مجرد شعارات جوفاء لأن هذه الثورة وكل الثورات المفاجئة والمبنية على الرماد الهش مآلها التلاشي لامحال!!. بقلم: بيير بارباتسي |
|