تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تحديات المعركة مع سورية

عن موقع : Investig Action
ترجمة
الثلاثاء 3-4-2012
ترجمة :دلال ابراهيم

قبل عام من الآن , وبالتحديد قبل 48 ساعة من بدء الهجوم الجوي على ليبيا كتبت مقالاً كان بعنوان ( تحديات المعركة على ليبيا ) وأثار النص في جوهره مسألة الدوافع التي قادت للهجوم الغربي على هذا البلد , وأيضاً النتائج المحتملة لهذا العدوان , سواء على ليبيا أم على الاستقرار في المنطقة.

وأشرت في المقال إلى يفجيني ساتانوفسكي المختص في الجيوبوليتيك , الذي نصح روسيا بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لليبيا , وإنما تركيز مواردها وطاقاتها على تطوير روسيا . وعلى ما يبدو فقد استمع الرئيس ميدفيديف إلى نصيحته , الذي بدوره على الأرجح شرع الأبواب , من دون قصد , للتدخل العسكري الغربي في ليبيا . والجميع يعلم كيف انتهت الأمور عقب سبعة أشهر من القصف , فقد انهار نظام الرئيس القذافي , الذي بدوره تم تصفيته بعدما اعتقله المجلس الوطني الليبي . وبعد مرور عام , صرنا بعيدين كل البعد عن أحلام الديمقراطية الموعودة من جانب التحالف الغربي , كما أن الوضع في ليبيا لم يسكن ويهدأ . بل على العكس من ذلك فقد خلق قلب نظام حكم القذافي بهذه الطريقة المزيد من المشاكل بدلاً من حلها . وتتطلع ليبيا إلى اعتماد الشريعة الإسلامية كقانون أساسي في البلاد بينما الجزء الشرقي منها يعاني حالة انفصالاً وتقسيماً. أما المدن الكبرى , دائماً ما تكون مسرحاً لاشتباكات متفرقة بين أنصار النظام القديم وبين الميليشيات المختلفة للسلطة الجديدة . وثمة أشرطة فيديو كشفت للعالم عما تعرض له العمال السود ( ليبيون أو أفارقة ) من قتل وتعذيب .‏

ويمضي الوقت ويستمر الكلام عن التحرير ونشر الديمقراطية . واليوم جاء دور سورية , المستهدفة الآن ضمن خط النار الإعلامي الغربي , في وقت يتساءل الجميع حول إمكانية حدوث تدخل غربي على غرار النموذج الليبي . ومع ذلك , وتحت اسم الديمقراطية ثمة أمر غير عادي ضار وهدام فيما يجري من أحداث حالياً , والذي لا زال يسميه البعض ( الربيع العربي ) وحتى الآن اتخذت موجة الصدمة التي ضربت الدول العربية وأفضت إلى قلب أنظمة الحكم فيها شكلين مختلفين جداً . الشكل الأول حدث من دون إراقة المزيد من الدماء وقد اتخذ شكل تجمعات وحراكات شعبية , كما كان الحال في تونس ومصر . وشهدت الانتخابات التي نتجت عن هذه الأحداث استيلاء أحزاب دينية , حيث أبدى الشعب بوضوح ثقته في رجال الدين أكثر من رجال السياسة الفاسدين والاستبداديين . فما هي مصلحة الغرب ( إن كان لهم مصلحة ) في التسبب في إقامة أنظمة إسلامية ؟‏

والشكل الآخر من هذه الاحتجاجات كان أقل سلمية , حيث اختار المعارضون للنظام الكفاح المسلح بدعم ( معنوي , إعلامي ولوجستي ) من الدول الغربية . وتم تجاهل حقيقة انضمام عناصر سلفية متطرفة وحتى عناصر من القاعدة مثل أولئك الذين قاتلوا في ليبيا للقتال إلى جانب المسلحين في سورية . وكذلك تجاهل حقيقة تهريب الأسلحة من قنوات مختلفة لهؤلاء المقاتلين المتطرفين , إلى جانب وجود مخاطر واضحة جلية يمكن أن تتسببها هذه التوجهات, والتي بدورها لم تثر اهتمام وسائل الإعلام الغربية السائدة .‏

وثمة جانب آخر مهم لهذه الأحداث في العالم العربي لا يمكن إخفاؤه . وهو أن الدول الغربية تدعم بشكل مباشر الإسلام المتطرف كما وتشجع الصراعات الدينية في المنطقة . ولا يسع المرء إلا أن يفاجأ من هذا الكيل بمكيالين الذي تستخدمه الدول الغربية , على سبيل المثال , عندما بدأت المظاهرات في البحرين , لم يثر القمع الوحشي الذي تم التعامل به مع هذه المظاهرات البحرينية بمساندة قوات سعودية أي احتجاج لدى الغرب .‏

وعندما اندلعت الحرب على الإسلام المتطرف وعلى تنظيم القاعدة عام 2001 , انطلقت العمليات العسكرية على نطاق واسع في أفغانستان والعراق . وتم استبعاد حركة طالبان بشكل مؤقت من السلطة ( والآن بدأت تعود بالتدريج ) وأصبح العراق مشروع شرارة لإشعال حرب طائفية في المنطقة , على الرغم من عدم العثور على أسلحة الدمار الشامل فوق أراضيه .‏

في الحادي عشر من أيلول عام 2001 لم يكن هناك عناصر سورية أو إيرانية أو ليبية متورطة في تلك التفجيرات التي ذهب ضحيتها 3000 مواطن أميركي . إذ ومن أصل 19 إرهابي , كان هناك 15 منهم سعودي واثنان من الجنسية الإماراتية . وقد كنت قد تحدثت بقوة عن السعودية وقطر . وإن كانت العلاقات بين هاتين الدولتين والولايات المتحدة معروفة للجميع , إلا أن العلاقات بين فرنسا والسعودية ليست معروفة كثيراً , وعلى الرغم من ذلك تعتبر فرنسا المورد الأوروبي الرئيسي للسلاح إلى السعودية . أما فيما يتعلق بقطر , فقد وصفت مجلة ( التوسع ) تصدر في فرنسا الاستثمارات الضخمة لقطر في فرنسا تحت عنوان ( قطر تشتري فرنسا) وأشار المقال , بشكل خاص إلى الاستثمارات الموظفة في الأحياء الفرنسية الهادفة إلى تعزيز التنوع الثقافي والديني عبر تقديم الدعم للمؤسسات الصغيرة في الأحياء المسلمة الفقيرة عن طريق صندوق استثماري أنشىء عام 2011 . فهل ثمة علاقة بين هذه واللقاء الغريب في بنوليه خلال شهر تشرين الأول عام 2011 الذي دعا إلى ربيع عربي في فرنسا ؟‏

ولذلك من الصعب فك شيفرة التدخل الفرنسي وحلفائها الغربيين في العالم العربي الإسلامي . ولم يفض مشروع نشر الديمقراطية في تونس ومصر وليبيا إلى النتائج المرجوة , حتى ولم يفض الاحتلال للعراق وأفغانستان إلى مراميه . بالإضافة إلى وجود مخاطر جدية باندلاع حروب طائفية في المنطقة , وأن هذه الثورات قد شجعت على تشكل حركات إرهابية .‏

وينبغي أن تكون الاعتداءات التي شهدتها مدينة تولوز ومونتوبان في فرنسا بمثابة تحذير لفرنسا كما هو لأوروبا فيما يتعلق بسياستهم الخارجية وأيضاً الداخلية . وبدلاً من الاسترسال بأحلام اندلاع ثورة ربيع ديمقراطي في روسيا , ينبغي على المنظرين الغربيين إجراء دراسة متأنية للمواقف الذكية للدبلوماسية الروسية في منطقة الشرق الأوسط وكذلك التفكير بعمل نموذج التعددية الثقافية في روسيا .‏

 بقلم الكسندر لاسترا‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية