|
شؤون سياسية تحدث الرئيس الأميركي باراك أوباما حول هذا الهدف فدعا لاتخاذ إجراءات محددة لمكافحته, وأقحم في خطابه الملفين النوويين الكوري الشمالي والايراني, فدعابيونغ يانغ إلى التخلي عن طموحاتها النووية, وحذر طهران من عدم وجود متسع من الوقت لتبدي حسن نيتها..! لا جدال في أن «الارهاب النووي» كخطر محتمل يهدد الأمن العالمي فيما لو تمكنت قوى الارهاب من حيازة المواد النووية واستخدامها في تصنيع السلاح الذري, مسألة جديرة بالاهتمام لارتباط مستقبل الأمن العالمي بكيفية مواجهة ما تمثله من تحد هائل لهذا الأمن إن لم يتم التصدي له باستراتيجية دولية مشتركة تحدد خطره ومصادره والاجراءات الكفيلة بتحصين العالم منه. لكن الملاحظة التي لم تلحظها قمة سيئول في تناولها لهذا الموضوع المهم هي تحديد مفهوم الارهاب النووي ومصادره ووسائله الأساسية, ما جعل قراراتها تقتصر على تعابير مبهمة حول هذا الارهاب كتهديد خطيرلأمن العالم والتأكيد على «ضرورة اتخاذ الاجراءات الضرورية من جانب الدول لحماية المواد النووية حتى لا يصل إليها الارهابيون». إن طرح مسألة الارهاب النووي على هذا النحو المبهم للمفهوم وقصره على الارهابيين ومنظماتهم, يذكر بالقضية الخلافية المستمرة حتى وقتنا الراهن حول الإرهاب ومفهومه ونشأته وأشكاله ومصادره الأساسية. وإذ نربط بين القضيتين, فلكي نذكر بأن العجز الذي ظهر في مكافحة الارهاب بسبب عدم تعريف الارهاب وتحديد مصادره, سيتكرر اليوم مع الارهاب النووي, إن لم يتم تعريفه وتحديد مصادره على نحو دقيق وواقعي حتى لو تطلب ذلك الاعتراف بأن الارهاب النووي كمصطلح جديد في الفكر الاستراتيجي العالمي ما كان لينشأ ويشكل حالة خوف على الأمن العالمي ومستقبله لولا ظهور السلاح النووي واستخدامه لأول مرة من قبل الولايات المتحدة, ولولا أن امتلاك أميركا له هو ما دفع الاتحاد السوفييتي إلى امتلاكه لتوفير معادلة توازن الردع والرعب النووي, ومن ثم سعت دول عدة (بريطانيا وفرنسا والصين ولاحقا باكستان والهند) لامتلاكه في إطار سباق نووي. إذاً, لولا وجود هذا السلاح ومقومات تقنيات تطويره, لما عرف العالم درجة خطورته ولما انتابه هذا الخوف الكبير من احتمال أن يصل إلى قوى الارهاب وهذا بحد ذاته يضع مسؤولية ظهور الارهاب النووي على من سعى إلى إيجاد هذا السلاح وامتلاكه واستخدامه وانتشاره, بقدر ما يجعل مكافحة هذا الارهاب وإنجازها حصراًبنزعه وإزالة كل ما هو موجود منه على وجه البسيطة ومنع انتاجه تحت أي مبرر كان. وإذا كنا نتفق على أن «الارهاب النووي» كان نتاج ظهور السلاح النووي وما استدعاه لاحقاً من مفهوم «توازن الردع أو الرعب النووي» بحكم أن تعبير الردع والرعب ينطويان على معنى الارهاب كتخويف متبادل, فما يجب الاتفاق عليه ايضاً هو أن مصادر «الارهاب النووي» ليست محصورة بالإرهابيين الذين قد يحصلون على المواد النووية وفق التعريف المجتزأ الذي تم تداوله في مؤتمر سيئول, بل هي تشمل إلى جانب هؤلاء وربما قبلهم إسرائيل التي ساهم الغرب عبر امدادها بمقومات الصناعة العسكرية النووية إلى جعلها قوة تمثل أخطر اشكال الارهاب النووي ومصادره في العالم لأسباب عدة أبرزها: 1- امتلاكها ترسانة نووية تشتمل على أكثر من مئتي رأس نووي. 2- رفضها الانضمام لمعاهدة الحظر النووي واخضاع منشآتها للرقابة الدولية وسط تعهد أميركي بمقاومة أي مجهود دولي يهدف إلى إلزامها بالانضمام إلى هذه المعاهدة وكشف أسرار برنامجها العسكري النووي المعمول به منذ أكثر من خمسة عقود, ونزع ما أنتجته من سلاح نووي. 3- كونها مركبا عنصرياً عدوانياً, استخدم الارهاب سياسة رسمية منذ قيامه لتحقيق أهدافه وممارسة دوره الموظف في خدمة تنفيذ مشروعه التوسعي وحماية المصالح الغربية والأميركية, وطوره لمرتبة الارهاب النووي عندما هدد العرب باستخدام الاسلحة الذرية في حرب تشرين وغيرها من محطات الصراع, وعندما يهدد اليوم إيران بالاستناد إلى امتلاكه هذه الاسلحة. وما يجب التذكير به هنا هو أن سعي الغرب لتحويل إسرائيل إلى قوة نووية بالرغم من معرفته أنها مركب عدواني عنصري, إنما كان لجعلها تمارس أعلى درجات الارهاب النووي على العرب ودول المنطقة, وبالتالي لجعل موازين القوى تختل لمصلحة إسرائيل من أجل إبقاء المنطقة تحت ضغط تهديد ارهابها النووي الذي يصب بالمحصلة في مصالح الغرب. والغريب في الموقف الذي أبداه أوباما داخل قمة سيئول أنه تحدث عن الارهاب النووي بشكل ضبابي ولم ينبس ببنت شفة حول إسرائيل كمصدر أساسي له, وحاول الهروب من الاعتراف بهذه الحقيقة إلى ملفي كوريا الشمالية وإيران في محاولة متعمدة لصرف الانظار عن الارهاب النووي الإسرائيلي. والأغرب من ذلك أيضاً أن أوباما يعرف بأن كوريا الشمالية أبدت الاستعداد الكافي في كل خلافاتها النووية مع أميركا ضمن تسوية عادلة, وأن إيران لاتنوي البتة امتلاك السلاح النووي لدواع دينية واخلاقية وانسانية, وأن إسرائيل وحدها في الشرق الأوسط من انتج هذا السلاح واستخدمه وسيلة لإرهاب العرب ودول المنطقة, ومع هذا يستخدم ملفي كوريا وإيران فزاعة كاذبة حول الخطر النووي, فيما يأكل لسانه القط أمام الحقيقة الدامغة لإسرائيل كأنموذج فاضح للإرهاب النووي. وإن كان ثمة ما يستخلص من سياق تسطيح مفهوم الارهاب النووي ومصادره على النحو الذي تجلى في المقاربة العوراء لنظرة أوباما, وفي قصور بيان قمة سيئول عن قول الحقيقة كاملة في الإرهاب النووي, فهو التأكيد على حقيقة أن القضية النووية لا تتجزأ وأن الارهاب النووي سيظل مفهوما ناقصاً وستكون مكافحته ناقصة على شاكلته, ما لم يتم تعريفه بوضوح وتحديد مصادره بدقة والقول صراحة إن إسرائيل هي رأس هذا الإرهاب وإن المعالجة الناجعة له تبدأ بنزع كل سلاح نووي في العالم ومقومات صنعه، وفي المقدمة سلاح إسرائيل الإرهابية. |
|