تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


موت سريري للاتفاق النووي .. أم ثمة جديد يلوح بالأفق ؟

دراسات
الأربعاء 19-2-2020
ترجمة: ليندا سكوتي

سبق لإيران أن أعلنت في شهر كانون الثاني أنها ستعمد إلى إعادة النظر بما التزمت به في الاتفاق المبرم عام 2015 فيما يخص برنامجها النووي وذلك باتجاه تخفيض تلك الالتزامات،

وبالرغم من أن ما تنوي إيران القيام به لم يكن ردا على ما قامت به الولايات المتحدة من اغتيال لقائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني، إلا أن الخطوة تعكس الوضع المتوتر القائم بين إيران والولايات المتحدة، الأمر الذي ظهر بشكل جلي منذ صيف عام 2019، وإزاء هذا الواقع فإنه كي تتم المحافظة والالتزام ببنود الاتفاق المبرم عام 2015 والمعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة لابد أن يؤخذ الواقع الحالي بالحسبان.‏

أعلنت إيران أنها تتجه لتنفيذ «المرحلة الخامسة والأخيرة» من تقليص الالتزامات المنصوص عنها في خطة العمل الشاملة المشتركة، وبذلك فإنها ستتجاوز تلك الالتزامات وبينت أن تلك الخطوة تضاف إلى ما سبق أن أعلنته من تخفيض لالتزاماتها مع قابليتها للتراجع عنها. وأكدت أيضاً أنها لن تضع قيوداً على عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية في منشآتها النووية.‏

ويبدو أن الحكومات الأوروبية لم يرق لها ذلك وحذرت طهران من الإخلال بالتزاماتها. وأطلقت ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة-آلية فض النزاعات التي صممت لمعالجة الانتهاكات المحتملة للاتفاق.‏

وبموجب آلية فض النزاعات يتعين على الدول الموقعة على الاتفاق (بعد انسحاب الولايات المتحدة) العمل على معالجة الخلاف الحاصل بينها خلال ثلاثين يوماً وفي حال عدم التمكن من التوصل إلى حل موضوعي أو تمديد الموعد النهائي فإنه يجوز لأي من الدول الموقعة عرض الأمر على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يتعين عليه بت الأمر خلال شهر، والتصويت على قرار تعليق العقوبات المفروضة على إيران، تلك العقوبات التي جرى تعليقها عندما تم اعتماد الاتفاق النووي الإيراني، لكن من المسلم به أن الولايات المتحدة ستستخدم حق النقض لأي قرار يطرح رفع العقوبات عن إيران، وبذلك يكون مجلس الأمن في صدد إصدار قرار يقضي على الاتفاق المبرم وهذا لا يمكن أن يحدث في حال عمدت الدول الأوروبية الثلاث والصين وإيران والاتحاد الأوروبي إلى استخدام آلية فض النزاعات لتحقيق الغرض المقصود منها. لكن من غير الواضح إن كان سيصار إلى إنقاذ هذه الاتفاقية قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في شهر تشرين الثاني، كما أن الوضع لن يكون أفضل حالاً إن فاز ترامب في الانتخاب.‏

إن ما يجري من سياسات إقليمية كان من الممكن لها أن تتيح الفرص لمحادثات بناءة، لكن ما حدث من تصعيد واغتيال سليماني قد يضع المنطقة أمام مواجهة عسكرية يصعب السيطرة عليها، وإزاء ذلك فإن دول الخليج التي سبق لها أن شجعت ترامب لاتخاذ مواقف متشددة تجاه إيران أصبحت تدعو اليوم صراحة لوقف التصعيد.‏

إضافة إلى ذلك، فإن مختلف الأطراف التي رفضت في السابق حتى الحديث عن وضع شروط للمفاوضات مع إيران بدأت اليوم بإجراء محادثات أو على الأقل أخذت تستعد للقيام بذلك، فالإمارات مع إيران، والسعوديين مع أنصار الله -في اليمن-وقطر، والسعوديين مع الإيرانيين (عبر طرف ثالث).‏

أثناء انعقاد قمة مجموعة الدول السبع في بياريتز شهر آب الماضي، أخذ كل من ترامب والحكومة الإيرانية يستعد لشكل من أشكال الانخراط الدبلوماسي، ذلك أن ما يدعى بالمسار السويسري قاد لتبادل السجناء بين إيران وأميركا مما يشير إلى أن التفاهمات الثنائية الأساسية أمر ممكن بمساعدة يقدمها الأصدقاء أو الشركاء، كما عمد ترامب إلى توجيه الشكر لإيران فيما يتعلق «بالمفاوضات العادلة» ووصفها بأنها «مقدمة لما يمكن القيام به في المستقبل».‏

ينبغي على الحكومات الأوروبية الاستمرار في محاولة تسهيل المحادثات الجادة والمباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، وفي الوقت ذاته ينبغي عليهم توظيف آلية فض النزاعات لمناقشة إجراءات وقف التصعيد واستكشاف حدود الاستمرار بخطة العمل الشاملة المشتركة أو إيجاد اتفاق بديل في حال انهيار الصفقة الحالية.‏

كما ينبغي أن تعالج مثل هذه النقاشات كيفية التعاطي مع الاقتراح الفرنسي، الذي أيده ترامب، لتوفير حد ائتماني أوروبي بغية المساعدة في التخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية الإيرانية، والتغلب على المعارضة الأميركية الحالية لهذ الفكرة حالياً، وقد يفضي ذلك إلى قبول إيران هذا الإجراء من خلال العودة إلى بعض التزاماتها «التي خفضتها» مؤخراً.‏

من الممكن أن تلقي المحادثات البعيدة المدى الضوء على الجداول الزمنية والأحكام المتعلقة بالقيود الطوعية في المستقبل بشأن النشاطات النووية الإيرانية عقب انتهاء صلاحية خطة العمل الشاملة المشتركة، وبالمحصلة يجب أن تكون الولايات المتحدة جزءاً من أي اتفاق جديد، كما أن إيران ستطالب بضمانات لعدم إلغائه من قبل الإدارة الأميركية المستقبلية، وستعزز موافقة الكونغرس التي لم تسع إدارة أوباما للحصول عليها إبان عقد خطة العمل الشاملة المشتركة، مثل هذا الاتفاق.‏

لا ريب بأن أي صفقة مستقبلية مع إيران يجب أن تبقى ضمن اتفاقية الحد من التسلح ودون أن يثقل كاهلها مسائل خلافية أخرى، ومن الأفضل الأخذ بالحسبان الأمور التي تتعلق بالكرامة والأمن والأمان في السياق الإقليمي.‏

نظراً لإيلاء معظم الجهات الفاعلة اهتماماً بتخفيف التصعيد، فقد حان الوقت لتجاوز المحادثات الثنائية وإطلاق مؤتمر إقليمي حول بناء الثقة والأمن والتعاون مما يقود إلى إكمال عملية المفاوضات النووية المتجددة وربما المطولة بين إيران والقوى الدولية الكبرى.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية