|
شؤون ثقافية . بألوانه وايقاع تشكيله المتوازن، كما تبدو مخيلته اللونية أكثر شاعرية، حيث يرفض الانصياع للكلاسيكية المتزمتة، ويظهر تعشقه للمسة العفوية التي تعصف بحركة الأشكال ،وتجعلها أكثر قدرة على التعبير عن حركة العواطف والانفعالات والمشاعر الإنسانية العميقة.
في لوحاته التي قدمها خلال الاربعين سنة الماضية، كان يسعى لتطوير أسلوبه في تجسيد المشهد كرؤية للولبية الحركة، مع جنوح لإظهار المزيد من الأناقة والرقة والحساسية في استخدام الألوان، بحيث يستطيع المشاهد أن يلحظ بوضوح اتجاهه نحو الأناقة وابتعاده بالتالي عن العبثية في التكوين والتلوين معاً. تكثيف العناصروالرموز هكذا نرى فريد جرجس يصل إلى اللوحة الفنية الخاصة، من خلال مزاوجته التشكيلية بين معطيات الرموز الواقعية والخيالية، وتركيزه على إبراز الحركة في مدارها اللولبي والحلزوني، فهو يعتمد على شحن الرموز التعبيرية إلى حد التكثيف الشكلي أحياناً (حشد العناصر والرموز في اللوحة الواحدة) ويجنح في تعبيريته الرمزية وفي لوحات عديدة نحو التشكيل العازف على خطوط الجسد الإنساني العاري، ويركز على ترداد الأشكال المعمارية والزهور ورموز الطبيعة الخلوية، مع المحافظة على وحدة النسيج التكويني والتلويني أو وحدة التعبير في رسم إيقاعات الأشكال والخطوط والأجواء اللونية.
فالتمعن في المشهد الريفي المحلي، جعله يتعمق في البحث عن آفاق جديدة في اللوحة التشكيلية، من خلال الدمج ما بين المسلكين الواقعي والتعبيري أو الواقعي والخيالي. فالطبيعة الجديدة لحياة الأشكال التي بحث عنها أثمرت إيقاعات جديدة في بنية اللوحة التشكيلية قادمة من تأملاته المتواصلة لخصوصية الطبيعة المحلية، ولقد كان ولا يزال يصرّ على مبدأ الحرية التعبيرية في التكوين الفني (توليف الأشكال بشكل خيالي ورمزي وتكعيبي في بعض الأحيان). ولوحاته السابقة والجديدة ليست بعيدة عن إجواء التراث المعماري والشعبي، فهو ينقلنا في أحيان كثيرة نحو الماضي، نحو عمارة أكثر حميمية وشاعرية، يبتعد دائماً عن ملامح اللوحة الواقعية، باتجاه اكتشاف أسرار الشكل من الداخل، لإظهار القيم الجمالية العميقة التي يحملها عالم الإشارات والرموز والدلالات وما تنضوي عليه من أسرار جمالية حديثة ومعاصرة. حركة حلزونية هكذا يمنح لوحته حضوراً متميزاً مستلهماً المناخات المحلية وسرابها وبقايا البيوت الريفية، وتعرجات التلال والمنحدرات، ليروي علاقة الإنسان بالأرض والأصالة العربية عبر تكوين الخط واللون ومعطيات العصر. فهو لا يزال يستخدم عناصر البيئة المحلية بكافة أجوائها وألوانها المتوهجة، ضمن تشكيل خيالي خاص، وحين يتجه لتصوير معالم العمارة القديمة فإنه يهدف الوصول إلى معادلة جمالية تجمع بين معطيات تشكيل الحداثة والفنون المعمارية الشرقية القديمة، حيث يذهب في قسم من لوحاته (بالأخص التي يعالج فيها الأشكال المعمارية) إلى صياغة فنية قريبة من معطيات الفن التكعيبي، ولهذا فهو يستفيد من تداعيات التراث المعماري، ضمن رؤى ابتكارية فيها الكثير من الحداثة ومحاولات الخروج من الإيماءات التقليدية والمباشرة، بهدف تحقيق الأسلوب الذاتي في خضم التيارات الفنية العربية. في القسم الثاني من لوحاته، تبرز عدة لوحات تتعامل مع الأشكال الإنسانية (الرجل والمرأة) عبر تكاوين العمارة الشرقية أيضاً (الأقواس والقباب والزخارف الجدارية وغيرها) كما تبرز عناصر الطبيعة في لوحات العمارة القديمة.. كل ذلك يظهر ضمن تشكيل فني حديث وخاص تميز به منذ سنوات طويلة. وحين سألته في حوار خاص عن مصدر هذه الحركة الحلزونية: أشار أنه يرسم الرؤى البصرية لتلال بلدته عين الباردة، وهذا يعني أن لوحاته رغم تجاوزها لعناصر الرسم الواقعي، فهي تنطلق من الواقع والطبيعة المحيطة بحياته، لذلك تظهر تأثيرات هذه الطبيعة وبشكل غير مباشر في نسيج اللوحة، فالألوان والخطوط والحركات تسعى لإبراز مسحة من أجزاء حركة تجعله يقترب من فكرة تجسيد العلاقة الحيوية بين الخارج والداخل، بين حركة الطبيعة أو المشاهد الخارجية وحركة الانفعالات الداخلية. facebook.com/adib.makhzoum |
|