|
شؤون ثقافية و..إلى تلك الجغرافيا ليسجل على أوراقه أجمل ما قاله شعراء العالم، شرقاً وغرباً، ليس هذا و حسب، بل يقدم الأديب إسماعيل ما يُشبه «التراجم» لهؤلاء الشعراء، يطلّ على حيواتهم الشخصية، وعلى أهم ما يميّز نتاجهم الإبداعي، و..حتى يبحث في بعض الأحيان عن بواعث الإبداع لدى هؤلاء الفطاحل من شعراء العالم الذي كان من أثر قولهم الشعري، إن سجلوا في قوائم الخالدين من الشعراء.
أوراق من النقد الأدبي، ومن الانطولوجيا، و..من الترجمة أيضاً، يُسجلها إسماعيل، دون أن يصدرها في كتاب حينها، غير أنه و..بجهود عواطف الحفار إسماعيل، التي ستحرر هذه الأوراق، و تصدرها في كتاب عن وزارة الثقافة السورية، بعنوان « قصائد الخالدين» ومن ثمّ بعناوين فرعية أخرى «شعراء و قصائد من ثقافات العالم» و..«أوراق منسية لم تُنشر للأديب الراحل صدقي إسماعيل» و..إذا ما عرفنا إن الحياة قد أفسحت من جغرافيتها لصدقي إسماعيل مساحةً من العمر بين (1924 و1972) يكون كتابه قد صدر بعد وفاته بأربعين عاماً..! تقول محررة الكتاب: «من الأوراق المنسية التي لم تنشر، والتي تركها صدقي إسماعيل، بين أوراق عديدة جداً، قمت بتنسيق و تدقيق وجمع بعض هذه الأوراق، التي كتبها عن كبار الشعراء العالميين، بحب و شغف، لهؤلاء العظماء، ولقصائدهم، التي اختارها و ترجمها بنفسه..». في هذا الكتاب، كما الشأن في كل كتاباته، تتضح تماماً النزعة الإنسانية إلى جانب التفكير الاجتماعي، وريادة صدقي في متابعة ثقافة العصر بصرف النظر عن تباين اللغات و الأذواق والمقاصد، على المستوى العالمي. كما نلاحظ بعداً عالمياً وإنسانياً و إحاطة فائقة، بمختلف أشكال وتطورات الثقافة العالمية، من خلال متابعة إبداع الحائزين على جائزة نوبل، إلى أبرز إبداعات المثقفين العالميين العظام على امتداد الكرة الأرضية جغرافياً، و ذلك بروح إنسانية و ثقافية واسعة الأفق. في هذه الأوراق التي مزج خلالها بين الترجمة والنقد و..الانطولوجيا، سيختار صدقي إسماعيل قصائد لأكثر من خمسين شاعراً، و..لن ينسى من هؤلاء الخالدين مبدعي العربية، التي سيختار من بينهم امرأة، وهي الكاتبة التي حملت في جيناتها أكثر من جنسية عربية، فلسطينية المولد، لبنانية الأصل، و..مصرية الإقامة، وأقصد بذلك مي زيادة، و..على شاكلة مي زيادة، سيختار إسماعيل أكثر من عشر شاعرات من مختلف ثقافات العالم، منهن على سبيل المثال: الشاعرات الفرنسيات - كان لهنّ حصة الأسد - جيرمين بومون، مدام دو ستايل، مدام جيرار دوفيل، كونتس دو نواي، و..الأمريكية اميلي دكنسون، والانكليزية أميلي برونتي، و..النرويجية سيغريد اوندست... صحيح أن إسماعيل لا يختار بالتساوي بين الشعراء، من مختلف هذه الجنسيات الثقافية، بل و..سيكون النصيب الأكبر لشعراء أوروبا، وشعراء ما كان ذات يوم يُسمى الاتحاد السوفييتي، غير أنه سيختار بالتساوي بين أهم من قال القصيدة في مشارق الأرض و..مغاربها. شعراء، سيكون لافتاً، إنه و..مهما باعدت بينهم الجغرافيا، فإن ثمة الكثير من تشابكات فنون قول القصيدة، ومن تدفقاتها العاطفية ستجمع بين هؤلاء الشعراء، لاسيما حينما تكون القصيدة نسيباً وتغزلاً عاطفياً موجهاً من الشاعر إلى أنثاه، هنا ستذهب المشاعر العاطفية صوب توسل العشيقة حدّ التضرع الرومانتيكي، ربما من أسباب ذلك التقارب الزمني بين هؤلاء الشعراء، حيث ساد مثل هذا « التضرع» للحبيب، و..توسل محبته. فهذا ألكساندر بوشكين يعترف في قصيدة « اعتراف»: أحبك، أحبك.. و احترق بنار الغضب على ذاتي بسبب هذا الهاجس.. أجثو عند قدميك، و قد تملكني القنوط، لأبوح بهذا الاعتراف المُذل.. أدري مدى هواني.. و..هذا الشاعر الفرنسي لويس آراغون الذي دوخته « إلزا» ذات حين، فكتب لها أشهر قصائده: إلزا، كلّ شيء يستعيد أنفاسه لكي أبوح لك بالحب.. كل فجر يطل هو ميلاد جديد يحملك ملء الحياة إلى شفتي الرصاصية فيما الشاعر البلجيكي موريس ماترلنيك يتوسل المغنية الفرنسية جوجيت لوبلان، والتي كتب لها أجمل قصائده: أنت جميلة رائعة، كالقدر الساحر الذي يتسرب إلى المأساة، في خطوات ملاك، فتصبح المأساة الدامية قصيدة من السعادة والحب أما العربية الوحيدة التي تناولها صدقي إسماعيل في هذه الأوراق، فهي كما أسلفنا مي زيادة، و هذا ما يُحمد له في التعريج على سيرة الأديبة مي زيادة (1886-1941) ضمن هذه الكوكبة من الروّاد العالميين، باعتبارها رائدة نسائية في عصرها ومثّلت أكثر من جغرافيا عربية في الإبداع والنَفَس الإنساني الرقيق، وذلك في عصرٍ لم يكن للمرأة فيه نشاط يذكر. مي زيادة التي رآها إسماعيل أنها كانت مؤمنة بقيم الشرق و مثله العليا، و كل كلمة تقولها في سبيل الشرق، نشيداً يصلح لأن تتغنى به النفوس الضعيفة، فيبعث فيها القوة و الكرامة و المتناجية بقولها: يا شرقي الكبير الرهيب الرؤوف، إنك جاهل فقير، مفكك الأوصال، و رغم ذلك، فأملي بك عظيم، كالحياة و الحرية. أنت برج الفجر أيها الشرق، فقم و اعمل، قم و راقب من أي أنحائك يلوح مشعل الضياء في هذه الأوراق، سيطلع القارئ على أشعار لكل من: الذائع الصيت اليوناني نيكوس كازانتزاكي، والروسي فلادميير ماياكوفسكس، والأمريكيين: ت. س . أليوت، وإدغار ألن بو، و الفرنسي بول ايلوار، وصولاً إلى شعراء من أمريكا اللاتينية، ومن إفريقيا وآسيا، ليُشكل تلويناً شعرياً عالمياً، تتنوع القصائد بين انفعالات عاطفية تواقة، و..شغف رومانسي هائل بملامح الطبيعة، ثم الاتجاه صوب الذات، و..التأمل، باعتبار إن الشعر هو أولاً، وأخيراً كائنٌ شديد الذاتية لكنه يهمّ الآخرين حدّ الجمال. |
|