تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


(مذكرات ديناصور).. هل على المسرح أن يكون غير ذلك!!

مســـــــــرح
الأحد 21-12-2008 م
لميس علي

لن يصعب على من تابع عرض (مذكرات ديناصور) إدراك وتلمس تلك الروح البريختية التي حلقت في فضاء تلك اللعبة الممسرحة..

في هذا العمل التونسي الذي جاء عن نص (حديث المنفيين) لبريخت، تمثيل كل من: رؤوف بن عمر، توفيق الجبالي، والإخراج لرشاد المناعي، لن تنحصر سمات المسرح البريختي فقط بالنص، بل هناك انطباع عام يؤكد ذلك الاستلهام المتقن والمشغول عليه بعناية وبذكاء لأسلوبية ذاك المسرحي العتيد، لدرجة لن تجعلنا نحس أن مايعرض أمامنا هو منقول عن نص غير عربي..‏

وهنا بالضبط يبرز ذاك الإعداد اللافت لنص أجنبي ونقله لبيئة لن تختلف بشيء عن بيئاتنا وظروف حيواتنا في الشرق.‏

تروي المسرحية، وبتعبير أدق.. هي لاتروي بمقدار ماتعرض سرديات يلقيها علينا الممثلان ضمن أجزاء- فواصل مسرحية، تتصل وتنفصل عن بعضها بذات الوقت.‏

فنحن أمام شخصيتين (زفيل، كال) يظهران في كل جزئية، يقدمان فكرة يطرحانها ، يناقشانها.. هي لمحة، إلماعة، إشراقة، وهو ماتشتمل عليه، بل أهم ماتشتمل عليه تلك الفكرة.. لتشاغب مجموعة الأفكار الملقية علينا وفق عناوين ستعرض على شاشة الترجمة الفورية وتكون من مثل ( عن الوطنية، الحرية، زفيل يكتب مذكراته، المدارس لاتتطلب كثيراً من التلاميذ، زفيل يقرأ مذكراته...) وغيرها من فقرات.‏

المهم أنه ضمن هذه التوليفة -نصياً وإخراجياً- تعرض حالات تنطق بهم ووجع أصيل يحاكي بالمجمل الظروف العربية المحيطة، للمتلقي أن يدركها عبر أكثر من فكرة جوهرية تلامس واقع حاله.. أفكار تبث لتطلق شرارة فتحرك فكر وخيال متلقيها. الرؤية الإخراجية لم تذهب إلى أقصى الأسلوبية الملحمية التغريبية المعروفة لدى بريخت، إنما اتبعت حلولاً تسير على ذلك النهج ولكن وفق فرادتها وطريقتها الخاصة جداً غير المغرقة. هكذا نجد إيماءة توحي بأن مايعرض هو مجرد لعبة، عن طريق السينوغرافيا أولاً التي جعلت الخشبة تبدو كأنما قسمت جزأين، حيث يجري العمل في العمق الذي أُطر كما لو أنه خشبة صغرى فصلت عن الخشبة الكبرى.‏

كما تمت إزالة الجدار الوهمي عبر جعل الحوار موجهاً في جانب كبير منه إلى المتفرج، أي الخطاب يلقى مباشرة، أحياناً كثيرة، لهذا الشريك الفعلي في الصالة.‏

على أن هذا الحوار سيكون غير ذي فائدة أوجدوى فيما لوجاء من قبل من لايحسن إلقاءه..‏

إذ أمتع ثنائي العمل، ولاسيما توفيق الجبالي، بأدائه لهذه الحوارية الأدائية وحتى الخطابية بينهما، أداء يتكامل ويتناسب مع حضور كل منهما.. الأول (كال، رؤوف بن عمر) بأداء يتصف بالهدوء قياساً إلى أداء (زفيل، توفيق الجبالي) المنفعل، حتى عن طريق تعابير وجهه أو صوته.‏

على أن نهاية العرض اشتملت تغيراً أصاب (كال) فتتبدل طريقة تفكيره في الحياة لتصبح كما طريقة (زفيل)، لقد تأثر به وها هو يردد بعضاً من كلامه..‏

هي إشارة ربما إلى وجهة نظر بريختية ترى أن الإنسان نسبي ومتغير، فلطالما اعترض بريخت على تلك الآراء التي ترى الإنسان جوهراً مطلقاً ثابتاً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية