|
شؤون سياسية الذي كانت تفرضه على عرب الداخل منذ عام .1948 أما الهدف من وراء هذا القرار الذي دام 18 سنة فقد كان ضمان هدوء الجبهة الداخلية في وقت تنشغل فيه القوات الإسرائيلية في قتال على جبهات ثلاث.يفهم من هذا الإجراء أن العدوان كان معداً له سلفاً, خاصة وأن وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك موشيه دايان وصف تلك الحرب في مذكراته بأنها ( حرب المستوطنين ). والمعنى الكامن هنا هو أنها كانت حرباً توسعية. وهذا ماحصل إذ أكملت إسرائيل بذلك احتلال فلسطين التاريخية ومساحات أخرى من الأرض العربية. ظهر عقب تلك الحرب في سوق التداول السياسي شعار يدعو للعمل من أجل إزالة آثار العدوان, وهو مصطلح يفهم منه استعدادهم للقبول بما كان قائماً قبل العدوان, أي القبول بإسرائيل بالحدود التي كانت تقوم عليها عشية تلك الحرب, ومازال الشعار قائماً ولكن بغلاف دولي هو القرار 242 الذي يدعو إلى مبدأ (الأرض مقابل السلام ). كما برز عقب الحرب أيضاً ظاهرتان. الأولى: تدفق أفواج من اليهود القادمين من وراء البحار للاستيطان في أرض فلسطين, تنفيذاً ل ( قانون العودة) , وهذه ظاهرة استمرت في ازدياد حتى توقفت, أو قل تقلصت إلى الحدود الدنيا التي لم يسجل لها مثيل منذ مطلع تسعينات القرن الماضي. كان هذا بفضل الانتصار الذي حققته المقاومة الوطنية في جنوب لبنان في تموز العام ,2006 بعد أن أذاقت العدو معنى أن يرحل مستوطنوه في شمال فلسطين المحتلة إلى المنطقة الوسطى من الكيان الصهيوني أو مايطلق عليه ( بطن إسرائيل الطري ) والدرس المستفاد من هذه الظاهرة هو أن العدو, الذي كان دائماً يحرص على أن تكون حروبه سريعة وخاطفة وفي أقصر مدة زمنية, لايستطيع تحمل حروب طويلة, وهذه نتيجة لمسها العدو في حرب الاستنزاف في الجولان التي رفعت شعاراً قتالياً ( اخرج الجندي المعادي من آليته ), كما لمسها أيضاً في حرب ( قناة السويس). والثانية: وهي ظاهرة يدركها المنشغلون في علم الاجتماع السياسي, هي عودة مصطلح (الدولة الثنائية االقومية ) للتداول, بعد أن كان موضع تداول في أواسط عشرينات القرن الماضي, بين عدد من المثقفين اليهود الذين أدركوا أن فلسطين لم تكن, كما قيل لهم, إنها (أرض بلا شعب, تعطى لشعب لا أرض له ), وإن وجد هناك سكان فهم مجموعة من الزنوج أو الأقزام ( تمشياً مع ثقافة رحلات جليفرز ) التي شاعت في الوسط الأوروبي في حقبة الاستعمار الميركانتيلي الذي عرفه الغرب في القرن التاسع عشر إثر الثورة الصناعية في أوروبا. شعار الدولة الثنائية القومية الذي اختفى من سوق التداول عشية المؤتمر الصهيوني العشرين الذي عقد في زيورخ عام 1937 عاد ليظهر على استحياء بعد عام 1948 لكنه أطفىء بعد الهجرة اليهودية التي تدفقت على فلسطين فضاعفت في غضون عامين عدد اليهود وصولاً إلى نحو مليون و400 ألف تقريباً. لقد رفضت الحكومات الإسرائيلية هذا الشعار, رفضاً حاسماً, لأن قبوله يسقط مقولة تيودور هيرتزل بإقامة » دولة لليهود ) في فلسطين ومما ينبىء سلفاً بالدور الذي تلعبه هذه الدولة, التي صار اسمها إسرائيل, تشخيص هيرتزل لها بأن تؤسس في كبد الظلام وتقف سداً أمام البربرية الآسيوية القادمة من الشرق. لقد فتحت حرب عام 1967 الأبواب أمام الكثير من مبادرات السلام. ولئن كان القرار 242 أولها دولياً فهو لم يكن الأخير الذي أعطى للعمل الدبلوماسي دوراً في التفاوض, عبر طرف ثالث, لإعادة المناطق التي احتلت آنذاك. كان الطرف الثالث هذا ومنذ مبادرة روجرز 1969 ومروراً بمؤتمر جنيف إثر حرب تشرين عام 1973 هو الولايات المتحدة. ولأن المسألة أوكلت للإدارة الأميركية, الحليف الإستراتيجي لإسرائيل منذ أن اكتشفتها, على مايقوله نورمان فنكلشتاين واضع كتاب » صناعة الهولوكوست ), فلم تسفر هذه الوكالة الحصرية إلا عن اتفاقات سلام منفردة, أبرزها اتفاقات » كامب ديفيد ) بين مصر وإسرائيل ( 1979 ) واتفاقية أوسلو 1993 بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية, وتبعتها اتفاقية وادي عربة مع الأردن. الحقيقة التي تخرج من هذه التجربة هي أن إسرائيل ترفض الدخول مع العرب في اتفاقات سلام جماعية وتصر على أن تكون الاتفاقات ثنائية فقط. وهذا ماحمل أبرز المحاضرين في دراسات وأبحاث السلام في الجامعة العبرية في القدس وهو إيلي فودة على القول:إن اسرائيل لم ترفض مبادرات السلام فقط, بل اعتبرها قادتها محاولات عربية مبطنة لإبادة إسرائيل. لقد كانت أوسلو كارثة على الفلسطينيين بالمعنى الحقيقي للكلمة ذلك أن موقعيها تعاملوا مع عرب الداخل باعتبارهم إسرائيليين. وانطلاقاً من هذا أصبحت كل القضايا المتعلقة بعرب الداخل شأناً إسرائيلياً. وهذا بحد ذاته تفويض بأن تمارس السلطات الإسرائيلية إزاءهم ماتشاء, بما في ذلك أن تعاملهم مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة وتنكر عليهم حقهم في المساواة مع المستوطنين الذين جيء بهم من آفاق الدنيا بينما سكان البلاد الأصليون يذوقون مر العذاب. كل هذا فيما يعتقد كثيرون, وهذا خطأ يرقى لدرجة الخطيئة, بأن فلسطينيي 48 يتمتعون بامتيازات وحقوق تميزهم عن أبناء شعبهم في الضفة والقطاع. ولا يدرك أولئك أن عرب الداخل شكلوا منذ أواخر أربعينات القرن الماضي » مشكلة أمنية ) إستراتيجية من الدرجة الأولى بالنسبة للدولة العبرية التي تبذل الجهود ومازالت من أجل التخلص منهم نهائياً, عبر ترحيلهم إلى ماوراء الحدود, أو على الأقل التحكم بمصائرهم, ولهذا فإن الصراع الدائر بين عرب الداخل والكيان الصهيوني هو صراع حول » المشروع القومي الفلسطيني ), الذي يعمل عرب الداخل على ترسيخه من خلال صمودهم في الأرض. إنهم يفعلون هذا الصمود من خلال نضال من المساواة في الحقوق. اعترافاً بأنهم يمثلون كتلة قومية سابقة في وجودها على أي وجود طارىء أو مستجد, ولكن مايهدد هذا المشروع هو الصراع الدائر بين الإخوة الأعداء في الضفة والقطاع. * باحث فلسطيني |
|