|
شؤون سياسية وهذا ما يجعل كتابه صورة لفكره وممارسته ومنظوره للعالم قبل أن يكون كتاباً يفتش عن حقيقة تاريخية أو ينقب عن درس أخلاقي. قد يبدو هذا الكتاب استكمالاً لتأمل سياسي بدأه بريجنسكي قبل أكثر من ثلاثين عاماً بكتاب عنوانه الكتلة السوفييتية الاتحاد والمواجهة, أعقبه بكتاب آخر هو بين عصرين, لكن الأمر ليس كذلك تماماً, فالسياسي الأميركي لا يتأمل السياسة في التجربة السياسية ولايبحث عنها في تاريخ الشعوب أو في تاريخ الفكر السياسي إنما يتأمل النتائج العملية الصادرة عن صراع فعلي بين معسكرين انهزم فيه أحدهما. فالسياسة في المنظور الأميركي تتحقق في الصراع العملي المتكىء على أدوات عملية تمتد من تسميم الثقافة وتسويق التضليل إلى الغزو المسلح وتهديم حضارة البلدان لإعادتها إلى العصر الحجري. لذلك فإن الولايات المتحدة لا تقوم الآن بتأمل تجربة شعوب أوروبا الشرقية. بل تتابع صراعه العملي ضد الفكر الشيوعي كي تطمئن إلى أن هذا الإخفاق الراهن هو الإخفاق الأخير الذي لا وقوف بعده. ولعل هذا الطموح وهو مشروع تماماً هو الذي يجعل بريجنسكي يعتبر أي محاولة واهنة وخجولة للدفاع عن المشروع الاشتراكي تراثاً لينينياً. يجري عرض موضوع الكتاب في ستة أجزاء تتحدث عن الإخفاق السياسي والاقتصادي الاجتماعي للنظام السوفييتي وأن نظاماً سياسياً على النمط اللينيني لم يكن بمقدوره أن يتعايش إلى أجل غير مسمى مع مجتمع يتحرك بمجمله مستنداً إلى العفوية الديناميكية. فمثل هذا التعايش كان لا بد له من أن يؤدي إما إلى إفساد النظام السياسي وإما إلى حفز التصادم بين الطرفين. ويقوم بمعاينة المحاولات السوفييتية الرامية إلى إصلاح ذلك النظام وإعادة الحيوية إليه معاينة تتصف بقدر كبير من العمق ويستخلص أن النجاح أقل احتمالاً من استمرار الاهتراء الداخلي أو الفوضى. ويلقي المؤلف نظرة أوسع على الاحتضار الأخير للشيوعية وعلى ظاهرة ما بعد الشيوعية المحتملة ويؤكد أن اللقاء بين البشرية والشيوعية خلال القرن العشرين قد وفر بهذه الصورة درساً يتسم بأهمية حاسمة هو: أن الهندسة الاجتماعية الطوباوية متناقضة جذرياً مع تعقد الظرف الإنساني ولا يزدهر الإبداع الاجتماعي بأفضل أشكاله إلا حين تكون السلطة السياسية مقيدة. وهذا الدرس الأساسي يجعل الاحتمال الأقوى متركزاً على أن الديمقراطية هي التي ستهيمن على القرن الحادي والعشرين. وفي نهاية الكتاب يستعرض موضوعه الذي يدور حول تجديد الأيديولوجيا فيقول: من استعراض التحولات التي يجب أن تمر بها الأيديولوجيا حتى تستعيد جاذبيتها توصلت إلى الاستنتاج التالي: ثمة ضرورة لوجود موقفين: فمن جهة علينا أن نقوم بتجديد ترسانتنا الأيديولوجية تجديداً جذرياً نابذين كل مالم تتأكد صحته بالتجربة وكل ماتم البرهان على أنه غير جدير مع المحافظة على نواتها الإيجابية. ومن جهة ثانية لا بد لنا من بناء أيديولوجية جديدة عبر الجمع بين القيم الوطنية والأممية للفكر الاشتراكي. وبين القيم الليبرالية والديمقراطية. لا يتحدث كتاب بريجنسكي عن انتصار الحرية بل عن انتصار عدوة الحرية ومدعية الديمقراطية أي إنه جعل من نفسه مرآة تعكس معنى الحرية ومضمون الديمقراطية في منطق الفكر الإرهابي. |
|