تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


غزة الأسيرة.. لاخيار إلا المقاومة

دراسات
الأثنين 15-12-2008
الياس غصن ابراهيم

القضية الفلسطينية التي كان يشار إليها بالصراع العربي الإسرئيلي، تراجعت في وسائل الإعلام إلى حدود مسألة الدولة الفلسطينية،

والصراع العربي الإسرائيلي صار نزاعاً فلسطينياً إسرائيلياً موضوعه الإستراتيجي إيجاد كيان فلسطيني تحت اسم دولة، وهو اتجاه لمسح تاريخ دولة فلسطين من الذاكرة واستبدالها بكيان لاحول له ولا قوة.‏

فلسطين الجغرافيا التاريخية والبشرية منذ فجر تكوين الكيانات السياسية تتجه الآن للاختزال بكيان جغرافي لايتضمن أياً من مقومات الدولة انطلاقاً من الخلل الفاضح في السياسة الدولية التي كرستها أحادية القطب، وهيمنت عليها مؤثرات الدور الصهيوني مالاً وإعلاماً، ثم هيمنة القوة العسكرية التي تمثلها أمريكا.‏

إذا كان هذا هو واقع الوضع الدولي وتوجهاته إلى مستقبل فلسطين الذاكرة، فما هذا المستقبل من الداخل الفلسطيني؟‏

والداخل المشار إليه هنا يقصد به جناحا أي كيان رسمي أو دولة وهما المجتمع والحكومة، وفي فلسطين الراهنة في ذاكرة القلة يصعب تحديد الجناح الأول وهو المجتمع، فنصفه خارج الجغرافيا لاجئون ونازحون وهاربون، ونصفه الآخر أسرى، بعضهم في المعتقلات الرسمية الإسرائيلية، وبعصهم الآخر أسير المعابر والحواجز، وأكثر من مليون منهم في سجن اسمه غزة.‏

أما الجناح الثاني للداخل فهو الحكومة وواقعها الحالي لايتعدى كونها ناتج حالة الحصار الراهنة ومع هذا فهي الآن مشغولة في ترتيب هذا الواقع الصعب ولا تملك الوقت الكافي لتحديد مقومات الدولة الموعودة جغرافياً وبشرياً، فالجدار العازل لم تعلن دولة الاحتلال حتى الآن أنه جزء من حدود اسرائيل.‏

وبالتالي لاتستطيع أي سلطة فلسطينية اعتباره حدود دولة فلسطين. والعاصمة التاريخية لفلسطين، القبلة الثانية لمسلمي العالم، والأولى للمسيحيين لاتقبل اسرائيل اليهودية شريكاً آخر فيها، فالقدس ليست عاصمة سياسية لدولة اسرائيل تقبل أي بازار سياسي، لأنها تخضع لأحكام النص التوراتي المزعوم ولايملك تعديله إلا (يهوه) بنظرهم.‏

أما شعب فلسطين الموعود فهو الأكثر اشكالية لدى الباحثين عن استقرار المنطقة وفق نظريتين هما: حق العودة (لمن؟) أو وجوب التوطين رغم أنف الدول المضيفة.‏

أمام هذا الواقع الصعب يشهد العالم آخر فصول المأساة الفلسطينية وهو صراع داخلي بين رؤيتين، إحداهما تعتقد أن السياسة الدولية الحالية ستخدم مشروع الدولة الموعودة، وبالتالي يجب العمل من خلال هذه السياسة التي تشترط نزع كل الخيارات الأخرى وتجريد العقول من فكرة المقاومة، والاستسلام لمشيئة السياسة الدولية رغم كل مايفوح من فسادها على المسرح الدولي.‏

أما الرؤية الأخرى، وهي مبنية على عدة عناصر، أولها الإيديولوجيا التي قامت على أساسها نظرية اسرائيل الكبرى على أساس التوسع وفق حدود الحاجة لاستيعاب كل يهود العالم، فهل تترك هذه الرؤية مساحة فائضة لدولة فلسطين وهو مايؤكد نظرية صراع الوجود لدى بعض الفلسطينيين أيضاً؟‏

أما العنصر الثاني فهو تربية المجتمع الاسرائيلي على أن اسرائيل هي الحقيقة الثابتة والآخرين قابلون للتغيير والتهجير، فوطنت نظرية صراع الوجود - وهي الحقيقة الوحيدة التي تدركها إسرائيل- وفق مقولة إن العرب عازمون على رمي اليهود في البحر. وأثمرت هذه النظرية مايشهده العالم اليوم من ممارسات كانت توصف بالنازية عندما تمارس ضد اليهود في أوروبا.‏

وهي إحياء منظمات الشباب في المستوطنات والمدن لمهاجمة الفلسطينيين وإرغامهم على النزوح من بيوتهم وأراضيهم، وهذا مؤشر على تفكك بنية الدولة وبداية تقهقر المشروع الصهيوني إلى مراحل تكوين الكيان الأول أواخر ثلاثينيات ثم أربعينيات القرن الماضي.‏

العنصر الثالث من الرؤية الفلسطينية الأخرى ينطلق من الانحياز الواضح للسياسة الدولية لجهة إسرائيل، والشلل الكبير الذي أصاب المؤسسات الدولية وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، بل ارتهانها للسياسة الخارجية الأمريكية المتبنية للسياسة الإسرائيلية على المسرح الدولي.‏

فإذا كانت منظمة حماس في طليعة الذين يتبنون الرؤية التي تعتمد المقاومة كخيار وحيد للوصول إلى الحق الفلسطيني انطلاقاً من أن كل الاتفاقيات السياسية التي جربتها السلطة الفلسطينية لم تعط أي مؤشر إيجابي لمستقبل القضية الفلسطينية، وحماس تغذي توجهها بتجربة حزب الله في لبنان، حيث حول لبنان الضعيف إلى لبنان القوي بمقاومته.‏

وصارت قوة لبنان بقوته لا بضعفه بل تحول إلى مدرسة في المجتمع الدولي تتعلم منه الشعوب كيف تكون السيادة الحقيقية وكيف تكتسب الحرية، لهذا وُضعت حماس في رأس قائمة الارهاب بالمنظار الأميركي، ولا غرابة أن تضيق دائرة المشروع الأميركي أكثر حول حماس بعد أن نجحت سورية في كسر اطار هذه الدائرة وأثبتت ايران أنها عصية على التطويق، فكان اقصاؤها عن السلطة مقدمة لانهاء نظرية المقاومة والاستسلام لمشيئة المجتمع الدولي المخطوف والمرتهن للقطب الواحد المتوحش حتى وإن كان السبيل إلى ذلك أكبر جريمة بحق الإنسانية، وتجويع الناخب الفلسطيني وتعريته ليعلن براءته من ممثليه الشرعيين الذين اختارهم لإدارة El.gosn@yahoo.co‏

">مستقبله.‏

El.gosn@yahoo.co‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية