تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قلــــم كــــــسر ليـــــــل البـــــــلادة

الرسم بالكلمات
الأثنين 15-12-2008
سامر أنور الشمالي

ما إن يصدر كتاب لأحد الأدباء المشهورين حتى يتسابق النقاد إلى الكتابة عنه، بقصد إغداق المديح لاغير، مهما تردى مستوى الكتاب في ميزان الإبداع. أما إذا صدر كتاب لأحد الكتاب الشباب

فلا يلتفت النقاد إليه، حتى إذا كان فتحا في عالم الإبداع وكأنهم إذا فعلوا ذلك يفقدون كراسيهم في أبراج الشهرة، لاعتقادهم الخاطئ أن الناقد المعروف لايكتب عن المجهولين. ولكي نكسر هذه القاعدة الصدئة في هذه الصفحة (الرسم بالكلمات) سوف نسعى للبحث عن الإبداعات الجديدة، لهذا سوف نتناول بالنقد نتاجات الأدباء الشباب ولاسيما الإصدار الأول، انطلاقاً من القاعدة الذهبية القائلة: ليس كل مجهول رديئاً وليس كل مشهور جيداً.‏

ومن الكتب الصادرة حديثاً مجموعة شعرية بعنوان (انكسارات في ليل ينتهي) للشاعر الشاب (مهند الشريف) الذي برز بحضوره الشعري منذ صدور مجموعته الشعرية الأولى التي تجاوزت الكثير من ركام الشعر الذي فقد شعريته، وهذا ما جعلنا نتساءل بحيرة عن سبب غياب قصائده عن الصفحات الأدبية التي تكاد تفقد مبرر وجودها من كثرة ما طغى على بياضها نفايات الحبر القاتم السواد.‏

(هلا كسرت السوط رغما عنك يا قلمي‏

وأحببت الحياة) ص63.‏

وما يميز (الشريف) أن قصائده لم تهو في بئر الغموض المبتذل الذي قد يسقط فيه حتى المشهورون من الشعراء الكبار، فالقصيدة لدى هذا الشاعر الواعد محفوفة بغموض شفاف وموشاة برموز غير مغلقة ضمن عباءة الوجد الصوفي التي نادراً ما نراها على حقيقتها لدى الشعراء عامة.‏

(فقلت يا هذا الإمام‏

أبعث بروحي نحو أسرار الغمام‏

إني وهبت الروح باريها‏

فعطشها السلام) ص11.‏

كما نلحظ ثمة محاولة جدية للخروج من الجمل المعتادة، والأفكار المكررة، والانعتاق من أسر المألوف، للتحليق عالياً حيث المعنى الجديد، والإشارة الذكية، والجملة المثقلة بالدلالات الغنية على بساطة تركيبها.‏

(هل كان لي .. أن أستعيد حكايتي‏

من ثوب أجدادي‏

لكي تقف الطفولة في المرايا‏

يرجع السجان من ورق الحكايا‏

تقرع الأجراس‏

في زمن الصلاة) ص20.‏

ولاشك أن المبدع الحقيقي لايتواطأ مع بدهيات القهر التي ألفها الجميع، وكأن مفتاح الشعر الأصيل هو كلمة (لا) التي تفتح آفاق الحرية على اتساعها. وقد نجح (الشريف) في إطلاق تمرده بصيغة مهذبة بعيداً عن الخطابية الفجة التي تفقد الشعر الكثير من خصوصية لغته، فأتت اعتراضاته أحياناً مغلفة بسخرية لطيفة، وكأنها الضحكات السوداء الموزعة بين قصائد الخيبة.‏

(لاشيء يخطئ في القبيلة ياأبي‏

مر السحاب على غناء القاتلين‏

فتوزعت .. أشلاء أطفال‏

وأحلام بنيناها .. بأهداب العيون) ص27.‏

وحتى قصائده التي تتغنى بالوطن الجميل، وتدين سلب الأرض، وسرقة الأحلام، نجحت في التخلص من الصيغ الجاهزة من المديح الذي فقد المعاناة والشتائم الفجة التي تجعل القصيدة ركاماً من نفايات الكلام، فأتت القصائد التي تعبر عن الانتماء والفداء بصور شفافة تقطر سلاف العطر من خوابي القلب المعتق حزنا:‏

(طفل بكى.. في ذلك الليل الطويل ودموعه حبق يعيش على تراب المستحيل) ص40.‏

ونختم جولتنا في ليل الديوان الذي وعدنا الشاعر أن يكون له نهاية برغم كل الانكسارات بالسؤال المفتوح كجرح لايندمل:‏

(فكيف يُقتلُ شاعر في صوته كل العذاب)؟ ص46.‏

قد يكون الجواب معروفاً للجميع وبرغم ذلك لن نستسلم لكافة الأجوبة الجاهزة، وسنظل نشد على أيدي المبدعين الحقيقيين كي يعبروا عن عذاباتهم بصوتهم الخاص، مهما كثرت جثث المتطفلين في المشهد الأدبي الذي يكاد يتحول إلى براد لأموات يتصدرون مشرحة الأدب!.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية