تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الجولان.. وحديث السلام والاحتلال

آراء
الأثنين 15-12-2008
أحمد صوان

أرى انه علينا ألا نكل ولانمل كاعلاميين وسياسيين ومواطنين من الحديث عن الجولان وتحريره، واستعادته إلى الوطن الأم سورية، كاملاً غير منقوص، شبراً واحداً من الأرض كما كانت عليه قبل الخامس من حزيران عام 1967.

وعلينا أيضاً أن نحشد كل الطاقات والامكانات والقدرات ونخلق الظروف والمناخات ليكون مثل هذا الحديث موضوعياً وعادلاً وألايقف عند حدود الجدران المغلقة، ولا طاولات التفاوض، ومنابر الندوات والمحاضرات، بل ومن أجل أن يكون قضية هامة وبارزة ومتميزة على مستوى الرأي العام كله في الداخل السوري، وفي الساحة العربية، وفي العواصم العالمية، وعواصم ومدن صناعة القرار لابد في هذا الصدد من أن نرفع الصوت عالياً من أجل الجولان وأرضه ومائه، ومن أجل أهلنا هناك وأبنائنا ومن أجل أسرانا المناضلين من الجولان ومن أجل حريتهم في السجون والمعتقلات الاسرائيلية.‏

الجولان شأنه شأن اي شبر من أرض عربية محتلة، لكنه في الوقت نفسه يعد صورة اكثر وضوحاً لوحشية الاحتلال، ولمناوراته واضاليله، وبالتالي لتهرب هذا الاحتلال من مقومات وعوامل وعناصر صنع السلام الحقيقي، العادل والشامل، فبالنسبة للجولان، ولانه معين ومحدد كجزء طبيعي من سورية، ومن الوطن الأم لايجوز لاسرائيل ان تتلاعب بمصيره ولابحاضره، ولاأيضاً بكل مايمكن أن يمس انتماءه وهويته، وإذا كنا نقول ذلك ايضاً عن القضية الفلسطينية، والاراضي الفلسطينية واللبنانية المحتلة، فان النفاق الاسرائيلي إذا كان قد سهل تمريره بالنسبة لتفرعات ومسائل القضية الفلسطينية، وتداعيات هذه القضية بالنسبة للفزع والخوف الاسرائيليين فيما إذا تحقق السلام الكامل والعادل والشامل على المستوى الفلسطيني من أن تجد «اسرائيل» نفسها بلا أي عمق يحميها إذا ما فكرت في أن تعاود عدوانها واجتياحها لاراضي الضفة والقطاع، ولكن اي خوف ينتظرها فيما يتعلق باستعادة الجولان، وعودة السيادة العربية السورية على أرضه وشعبه واهالينا هناك..‏

أي مخطط تريده «اسرائيل» لكي تحول دون أن تشعر سورية ولو لفترة وجيزة انها قد أمنت غطاء باستعادة أراضيها للدخول حقاً وفعلاً في التوقيع على اتفاقية سلام؟. واضح أن السياسة الاسرائيلية لاتريد أن تحرر اليد السورية من ضغوطات واستفزازات العدوان وبقضم وهضم أراضي الجولان وفي أحسن الحالات، الانتقاص من السيادة السورية على أراضيها المحتلة.. و«اسرائيل» تعرف باليقين ان سورية لن تقدم على أي توقيع إذا كان السلام معها ناقصاً أو مشوهاً أو مشكوكاً به، أو في حالة التباس، لذلك فإن كل محاولات «اسرائيل» للتلاعب على وضع الجولان كأرض محتلة، والتلاعب على مصيره، هي محاولات محكومة بالاخفاق والفشل الذريع، ومع هذا تتعمد «اسرائيل» لتسويقها وتحريرها في احاديث وتصريحات مسؤوليها، وعلى امتداد كل الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ أن تم احتلال الجولان عام 1967 حتى الآن.‏

ولما كان اسحق رابين قد خرج عن الرداء الاسرائيلي، بالاعلان صراحة عن عزمه في رد الجولان كاملاً إلى سورية والانسحاب الكامل الاسرائيلي من أراضيه بتوقيع اتفاق سلام مع سورية في العام 1995 اي بعد أربع سنوات من مؤتمر مدريد للسلام، وعامين من توقيع اتفاقية اوسلو ووادي عربة، كان مصير رابين الاغتيال بسبب ماسمي وقتها وحتى الآن بعهدة رابين بالانسحاب الكامل من الجولان، والتي قال الرئيس الامريكي بيل كلينتون ان هذا الاقرار بات في جيبه، وليس من سبيل الا تنفيذه وعلى الارض، إلى حد أن وزير خارجية الولايات المتحدة وارن كريستوفر قد حقق ماوصف بترتيبات أجنبية متبادلة ومتوازية على جانبي خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وحسمت قضايا كثيرة، ولم يتبق إلا ما نسبته ما بين 20و25 بالمئة من التوصل إلى اتفاق سلام على المسار السوري لعملية السلام المتكاملة والشاملة، والتي تتضمن بالطبع كل الاراضي العربية المحتلة في الضفة والقطاع والقدس ومزارع شبعا اضافة إلى الجولان.‏

وليس من شك في ان اي حديث عن الجولان لابد ان ينطلق من كل هذه المعطيات والوقائع ولايجوز التلاعب بها او التهرب منها، فهي ثابتة في وثائق ومحاضر جلسات، وفي تفاهمات محفوظة لدى كل الأطراف، وخاصة الراعي الاميركي الذي بسببه لم تبق عملية السلام على سكتها منذ أن جاء الرئيس بوش الابن إلى البيت الأبيض، حيث عمل المحافظون الجدد «المتصهينون» على وضع العملية السلمية برمتها في ثلاجة أو بعبارة أدق اغلقوا صندوقها ورموا المفتاح في نيران وتفخيخات وفتن مشروعهم الشرق اوسطي من العراق إلى افغانستان إلى فلسطين إلى السودان، إلى لبنان والصومال والبحار والمنافذ المائية والخلجان في منطقة «الشرق الاوسط». ومن هنا علينا ألا نمل ولا نضجر من الحديث كل لحظة وفي كل وسائلنا الاعلامية والسياسية والمعرفية والثقافية عن الجولان، حيث ان أي مفاوضات بشأن هذه الاراضي المحتلة لن تبدأ بفعالية ونجاح دون الاقرار الاسرائيلي الواضح والصريح بعودته كاملاً إلى الوطن الأم سورية، وليست سورية من يتنازل عن شبر من اراضيها وستظل الرقم الاصعب في معادلة الصراع مهما طال حفاظاً على حقها وأرضها وشعبها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية