|
شؤون سياسية في سنوات الاحتلال الأميركي للعراق, والتدخل بشؤون الدول الأخرى صغيرة كانت أم كبيرة, رغم كل ذلك, لا تزال إدارة بوش ومن بقي معه تصرعلى الخداع والكذب وتجميل القبيح ظنا منها أن غالبية المواطنين وعامة الرأي العام في حالة من السذاجة يمكن معها تمرير الأفكار والادعاءات الزائفة والمضي قدما في طريق التفرد والاستكبار والإلغاء.الإدارة المشغولة هذه الأيام بتقرير بترايوس- كروكر وادعاءاتهما بأن الاستراتيجية الأميركية تحقق تقدما في العراق, وأن فكرة الانسحاب غير واردة حاليا, لأنها حسب زعمهم سوف تمكن إيران من قطف ثمار غزوهم وأن تحل محلهم وتحكم سيطرتها على ثروات العراق وأرضه وبهذا استنفار جديد - قديم للرأي العام الأميركي والأوروبي والعربي حول خطورة إيران ودورها ولم ينس الجهابذة الميدانيون الإشارة إلى دور المتسللين من سورية في إشاعة عدم الاستقرار متناسين تماما دور أجهزة الاستخبارات الأميركية - الإسرائيلية والغربية في تنظيم وإدارة فرق الموت والانتحاريين وشركات القتل والعمليات الإرهابية التي تكشف عنها المعلومات الغربية نفسها, متجاهلين بذات الوقت أصوات العقل والاتزان من الأميركيين الذين زاروا سورية والمنطقة وأكدوا حرص سورية ورغبتها وسعيها الدائم لمساعدة الشعب العراقي سواء من جهة استقبال اللاجئين العراقيين في سورية والذين قدرت أعدادهم بأكثر من مليون ونصف مليون عراقي, أو مساعدة العراقيين في داخل بلادهم على مستوى القيادات السياسية والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية لتمكينهم من تجاوز وتحمل صعوبات ومشاق الممارسات العدوانية والتعسفية التي تنكل بهم صباح مساء, وأبرز الأصوات العاقلة التي ضربت إدارة بوش وفريقه المتهور عرض الحائط بأفكارها وانطباعاتها تلك الصادرة عن الخبير الاستراتيجي أنطوني كورديسمان وجون التزمان وتوماس ساندرسون حيث نشروا مؤخرا تقريرا عن نتائج زيارتهم لسورية وما لمسوا هناك وسجلوا ملاحظاتهم بشأن إيجاد آلية أو مقترحات مهمة لتحسين العلاقات مع سورية وأبرزها: إن السوريين يمثلون واحدا من أكثر مجتمعات الشرق الأوسط علمانية وحداثة وهم متعلمون جيدا, ودودون, ليسوا معادين لأميركا, برغماتيون مرنون, غير متعصبين مذهبيا, تميزهم سهولة التحدث والحوار الحقيقي. وأن الضغوط الحالية التي تمارسها الولايات المتحدة على سورية لن تؤدي إلى أية نتائج إيجابية ولا بد من إيجاد الثقة المتبادلة ليتمكن الطرفان من تحسين العلاقات وتحقق المصلحة المشتركة والأهم أن يحصل ذلك في إطار من فهم الآخر دون تقديم التنازلات والأهم هو التشجيع والعمل لإعادة الحقوق والأرض المغتصبة للسوريين في الجولان المحتل. وبطبيعة الحال فإن تقرير الخبراء ذاك لا ينفي صعوبة تحقيق أي تقدم في ظل الإدارة الحالية للرئيس بوش إلا أنه يراهن على التغيير القادم ومغادرة فريق بوش تشيني البيت الأبيض وعندها سوف يعود الحديث عن جدية التواصل السوري- الأميركي من زاويتين عريضتين الاقتصاد وسياسة الانفتاح والإصلاح واستعادة الأرض وتحقيق السلام العادل. وهنا تنطلق رؤية الخبراء الأميركيين من أن القاعدة الأساسية للتوصل إلى سلام حقيقي في المنطقة من شأنه إعادة الروح إلى مسار التواصل السوري - الأميركي وهو ما تحقق في عهد الرئيس السابق كلينتون عندما توصل الجانبان مع إسرائيل إلى 90% من الحل المطلوب استنادا إلى فكرة الأرض مقابل السلام ووديعة رابين التي لا بد له الكشف عنها والاعتراف بها, كسبيل لاستمرار المفاوضات والتوصل إلى حل دائم. وعند ذلك سوف تجد الإدارة الأميركية الجديدة أن ما يجمع الطرفين أكثر مما يفرقهما, ويفيدها حين ذلك استذكار الدور السوري الفاعل في مجال مكافحة الارهاب وحرصها على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط وبالدرجة الأولى استقرار دول الجوار سواء في العراق أو لبنان أو فلسطين, وهذا بحد ذاته كفيل بتحسن العلاقات السورية - الأميركية. وبشكل عام فإن الحديث عن أي تحسن في العلاقات السورية- الأميركية متوقف على نهاية ولاية الرئيس بوش, وبانتظار القادم الجديد إلى البيت الأبيض فإن فريقا من المختصين ومن بينهم الخبير كورديسمان يعكفون حاليا على إعداد بنود أولويات يجب أن تأخذ بها الإدارة الجديدة, سوف تقود حكما إلى تحسن واضح ودفع إيجابي بالحوار السوري - الأميركي والعلاقات عموما, ومن هذه البنود: 1- الاقلاع عن فكرة الضغوط والابتزاز والاملاءات والاتهامات بحق سورية واتباع الطرق الدبلوماسية التي تستطيع من خلالها الولايات المتحدة تحقيق مصالحها حيث لا يوجد بلد في العالم يتجاوب مع القنوات الدبلوماسية مثل سورية. 2- إعادة الاعتبار للتمثيل الدبلوماسي وتعيين سفير فاعل والاستماع إلى وجهات نظر السوريين وإرسال المبعوثين الرسميين للحوار والتواصل. 3- الكف عن طرح قوانين محاسبة سورية والتدخل بالشؤون الداخلية والاتفاق معها بشأن لبنان الحر المستقل عن أي وصاية أو تدخل خارجي في محيطه العربي وعلاقاته المميزة مع سورية حرصا على وحدة الشعبين وتاريخهما وتشابك علاقاتهما الاجتماعية والفكرية والثقافية. 4- الاتفاق على برنامج وطني للاستقرار أساسه شعوب المنطقة, بعيدا عن أفكار التقسيم وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية وإقرار البرامج الوطنية للإصلاح السياسي والاقتصادي التي تحقق بالمحصلة الأمن والهدوء وتفتح قنوات التواصل الحضاري مع الآخر. 5- مساعدة الجانب السوري كما اللبناني والفلسطيني والعراقي على استعادة الحقوق وخصوصا في الجولان ومزارع شبعا وإقامة الدولة الفلسطينية ضمن حدود 1967 وفي ذلك علاج جذري لمشكلات المنطقة وتمهيد تدريجي لسياسات الانفتاح والديمقراطية وإحياء لفكرة الشرق الأوسط الآمن المستقر والقادر على استيعاب الاخرين والتواصل معهم وتشكيل جسر عبور لتلاقح الأفكار وتواصل الشعوب لمصلحة البشرية جمعاء. |
|