تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مفارقات روائية للقرن الجديد

ملحق ثقافي
12/1/2010
المؤلف: د.علي محمد سليمان: شهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين

كثافة غير مسبوقة في الانتاج الروائي في العالم عموماً. وكانت كثافة الانتاج مترافقة مع جدل واسع حول مستقبل الرواية وآفاق تطورها، لكن ما كان جلياً أن هذا الجدل كان في تناقضاته وتنوعه إنعكاساً لتعددية التجارب الروائية في العالم، بحيث اعترف الكثيرون بأنه لم يعد من المجدي توصيف الخصوصية الروائية لعصرنا. إن الرواية اليوم تبدو تجربة مفتوحة غير قابلة للتوصيف أو التأطير لأن الإنتاج الروائي متنوع ومليء بالمفارقات والتعددية.. فيما يلي لقطات سجلها العقد الأول من القرن الجديد فيما يتعلق بملامح الرواية المعاصرة:‏‏

رواية النجوم‏‏

احتدم النقاش حول مستقبل الرواية و تصاعدت نبرة الخوف و القلق على مستقبل الأدب و علاقته بالقراء عندما أظهرت بيانات مبيعات الكتب أن كتاباً جديداً من تأليف عارضة الأزياء كاتي برايس قد فاقت مبيعاته مجموع مبيعات الروايات الست على قائمة جائزة بوكر 2007! و كاتي برايس هذه عارضة أزياء و نجمة معروفة في إستعراض التعري، و هي تعرف في بريطانيا في أنها من أكثر المشاهير إعتماداً على عمليات التجميل الجراحية. لقد أظهرت مبيعات الروائيين المرشحين لجائزة بوكر أن مجموع الجهود الإبداعية لنخبة من أكثر الكتاب البريطانيين موهبة و إبداعاً لم تستطع حتى أن تضاهي مبيعات رواية “كريستال” لنجمة التعري كاتي برايس الملقبة بجوردان. وإعترف أحد المحررين الأدبيين الذي مثل العديد من الروائيين المرشحين لجائزة بوكر في الأعوام الماضية عند سماعه ما حققه كتاب برايس أن الوضع يشكل كارثة! لم يعد الأدب الروائي يلقى إقبالاً كبيراً كما كان في الماضي. لقد جرت العادة أن يتبنى الناشر كتاباً جديداً لمجرد أن فيه صوتاً أدبياً مميزاً. لكن يبدو أن الحال قد تغير اليوم بالنسبة للناشرين.‏‏

الطعام بديل روائي للجنس‏‏

لقد تطور حضور الطعام في الرواية المعاصرة من مجرد توظيف لعنصر دلالي يوظفه الروائي لرسم ملامح ما في الشخصية الروائية أو في العالم الروائي إلى حالة إحتفاء مكثف بعناصر ثقافة الطعام و الطبخ و بأكثر تفاصيلها دقة و تخصصية. لقد أصبح الكثير من الروايات المعاصرة يفرد العديد من الصفحات و مقاطع كاملة لسرديات تحتفي بشغف و تفصيل غامض بطقوس و روائح الطعام، و هذا ما دفع بعض النقاد إلى مقارنة هذا الشغف باحتفاء رواية الستينيات و السبعينيات بالجنس. فهل الطعام بديل روائي معاصر للجنس في رواية الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي؟ و كيف حدث هذا التحول الروائي؟‏‏

نهاية الرواية‏‏

ليس صدفة أن تعكس تجربة ميلان كونديرا الأثر الحاسم للتاريخ على الكتابة الروائية، فالتاريخ كان دائماً مفتاحاً لفهمه للرواية كشكل تعبير متطور. لكن المفارقة الكبيرة هي أن هذا الروائي الذي أبدع مجموعة من أهم الأعمال الروائية في تاريخ الرواية الحديثة في العالم يعبر في نتاجاته الأخيرة الروائية و غير الروائية عن نبوءة بنهاية الرواية كفن و كشكل من أشكال المعرفة. و لعل عنوان أحد كتبه الأخيرة “الستارة” هو تعبير عن إنشغاله بهاجس نهاية مشهد ما. هل تمثل هذه الستارة ترميزاً لهاجس كونديرا بنهاية الرواية؟ و ما معنى هذه النهاية بالنسبة لروائي كبير ساهم في إغناء هذا الفن؟‏‏

سرديات الأنوثة‏‏

أسست الرواية النسوية المعاصرة في العالم لجماليات جديدة، وكان العقد الأول من القرن الحادي والعشرين حافلاً بالنماذج التي عبرت عما أصبح يعرف بسرديات الأنوثة. إن الصوت الأنثوي الذي يقع خارج السرديات الخطية التقليدية للتاريخ هو الأقدر على التعبير عن تلك التجارب التي لا يمكن للبنية السردية التقليدية مقاربتها. فالفانتازي إذن يوفر للصوت الأنثوي إمكانية إنتاج خطاب لا يعارض التاريخ الرسمي فقط، بل يوفر إمكانية كتابة تاريخ مغاير عبر ولوج فضاءات المحرم و المسكوت عنه.‏‏

أفول الواقعية السحرية‏‏

يكفي لرصد حجم و طبيعة التحولات الجمالية في رواية أمريكا اللاتينية خلال العقد الماضي مقارنة العملين الروائيين الأخيرين للروائي الكولومبي الشاب جورج فرانكو، و هما روايتان تمتازان بسوداوية حياة المدينة، مع الأعمال الأخيرة لمواطنه غابرييل غارسيا ماركيز. في رواية فرانكو “روساريو تيجيراس” تصوير لعالم إمرأة قاتلة تعيش في وسط الإدمان على المخدرات، بينما روايته “سفر بارايسو” تصور حياة مهاجرين من كولومبيا يكافحون للتأقلم مع حياتهم في مدينة نيويورك. أما بالنسبة لغابرييل غارسيا ماركيز، فإن من يبحث عن الواقعية السحرية في روايته الأخيرة “ذاكرة عاهراتي الصغيرات” فلا بد أنه سيشعر بالخيبة. يبدو أنه حتى المعلم الكبير نفسه يعترف بأن الواقعية قد فقدت سحرها في أمريكا اللاتينية.‏‏

الاستشراق الروائي الجديد‏‏

تشكل كتابات بعض أهم الروائيين المعاصرين في العالم تعبيراً عن الاستشراق الجديد في القرن الحادي و العشرين، حيث تحولت نقطة الارتكاز من تفوق الغرب بشكل عام إلى تفوق مفاهيم الحرية في الثقافة الأمريكية. يعود هذا التحول إلى المفكر آلان بلوم الذي كتب “انغلاق العقل الأمريكي” حيث يزعم أن الثقافة الأمريكية هي أعظم إنجاز حضاري في هذا العالم. و بلوم هو صديق مقرب للروائي سول بيلو الذي سوق لأفكار بلوم في رواياته. و في الوقت الذي كتب فيه بيلو آخر رواياته “رافيلستين” عام 2000، أصبحت أفكاره و رؤاه منسجمة مع المؤسسة السياسية في الولايات المتحدة، و يتضح ذلك من خلال التصوير الروائي الخاص للكثير من الرموز و الموضوعات التي تحيل إلى شخصية جورج بوش. بيلو هذا بتراثه السياسي و الأدبي هو الأب الروحي للاستشراق الروائي المعاصر، و يبدو تأثيره واضحاً على كتابات مجموعة من الروائيين المعاصرين، و خصوصاً مارتن اميس و سلمان رشدي و إيان ماكيوان.‏‏

إعداد عن مجموعة من الصحف والمجلات الأمريكية والبريطانية الصادرة بين عامي 2005 و 2009.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية