تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مسارات

ملحق ثقافي
12/1/2010
خلف علي مفتاح

أصبح اقتصاد المعرفة المرتكز إلى الطاقة البشرية الأساس في عمليات التنمية وصناعة المستقبل في عالم اليوم

لذلك كله نجد أن الدول المتقدمة تنفق مليارات الدولارات على البحث العلمي ومناهج التعليم بمستوياته المختلفة إدراكا منها لأهمية الاستثمار في العقل البشري و تستقطب العقول المهاجرة القادمة من دول أخرى وخاصة الدول الفقيرة والنامية والتي غالباً ما تكون أسباب هجرتها مرتبطة بمشاكل اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية وهذا لا يعني طبعاً أن العقول المهاجرة هي بالضرورة قادمة حتماً من دول فقيرة بدليل أن بعضاً من العلماء والباحثين والفنيين يهاجرون من أوروبا باتجاه أمريكا أو دول أخرى بحثاً عن فرص عمل أفضل بمعنى آخر أن هجرة العقول أصبحت ظاهرة عالمية في ظل ثورة الاتصال وعولمة الاقتصاد وغيره وما يهمنا في هذا المجال تأثير تلك الظاهرة على الدول الفقيرة والنامية بسبب انعكاساتها الحادة والسلبية على عملية التنمية في تلك الدول ناهيك عن الخسارة الجسيمة التي تلحقها تلك الهجرة باقتصادياتها لأن تلك الكفاءات لا تصل إلى ما وصلت إليه إلا بثمن باهظ تنفقه تلك الدول تربوياً وتعليمياً تأهيلا وتدريباً وهنا يكون ربح الدول التي تستقطب تلك الكفاءات ربحاً مضاعفاً لأنها تستثمر رأسمالا ًهاماً لم تنفق عليه شيئاً من حيث المبدأ والسؤال المطروح هو ما الأسباب التي تدعو تلك الفئات من الشباب والكفاءات العلمية إلى الهجرة؟ ولا شك أن الإجابة تختلف من مكان إلى آخر على تعدد وتنوع أسبابها.‏

ولعل اغلب الدراسات المتعلقة بهذا الشأن تركز على أن للهجرة أسباباً مركبة اقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها وذلك بحسب طبيعة وبنية المجتمع وتركيبته السياسية والثقافية خاصة ما تعلق منها بمعايير الاختيار للوظائف ومواقع المسؤولية القائم على مبدأ الكفاءة والمهنية ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب إضافة إلى عدم توفر مجالات العمل المناسبة للاختصاص حيث يلاحظ في بعض الدول عدم توفر مجال عمل للخريجين بحسب اختصاصهم ما يضطرهم للعمل في مجالات أخرى وهذا يفقدهم إمكانية ممارسة ما تم تأهيلهم وإعدادهم لأجله. وهنا تبرز أهمية قاعدة ربط التعليم بالحياة وبسوق العمل والانطلاق من الدراسات الاجتماعية والاقتصادية عند وضع السياسات التعليمية خاصة في مجال التعليم العالي والدراسات العليا وتحليل الدراسات السكانية عند وضع استراتيجيات التنمية والخطط السنوية المتعلقة بها والاستفادة منها.‏

والى جانب ذلك تبرز أهمية الحالة الاقتصادية و مستوى المعيشة للسكان ودرجة الرفاه الاجتماعي وما يطلق عليه الباحثون الاجتماعيون والدراسات الابسمولوجية خط الفقر المادي والمعنوي وتأثيره في هجرة الطاقات البشرية المنتجة بحثاً عن ظروف عمل أو مناخ سياسي واجتماعي أفضل وهذا يوجب على الدول والمنظمات الدولية والجهات والمؤسسات المعنية بذلك إتباع سياسات رشيدة و ناجعة لمواجهتها والحد منها لأن للهجرة انعكاسات حادة على المجتمعات البشرية تؤدي مع الزمن إلى آثار جانبية غير محمودة العواقب خاصة وان النزيف البشري لهذه الطاقات يؤثر بشكل كبير على الهيكلية الاقتصادية ودرجات النمو ومستوى ودرجة الفقر في تلك الدول ما يدفع الكثير من أبنائها للهجرة بحثاً عن عمل في ظروف صعبة وفي بيئات مختلفة ما يؤدي إلى نتائج عكسية تؤثر على البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول الجاذبة يتحول مع الزمن إلى توترات اجتماعية قد تصل إلى حد التطرف واستخدام العنف وهذا ما نلاحظ إرهاصاته الأولى في بعض المجتمعات الأوربية خاصة بعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية