تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الصهيونية.. ومركب الادعاء الأيديولوجي

شؤون سياسية
الأربعاء 13-1-2010م
بقلم: د. أحمد الحاج علي

أعمالهم أعمال إثم، وفعل الظلم في أيديهم-أرجلهم إلى الشر تجري- وتسرع إلى سفك الدم الزكي، أفكارهم أفكار إثم، في طرقهم اغتصاب وسحق،

طريق السلام لم يعرفوه وليس في مسالكهم عدل، جعلوا لأنفسهم سبلاً معوجة كل من يسير فيها لا يعرف سلاماً.. هذا نص مقتطف ورد في سياق آيات كثيرة تصف اليهود القدماء في أشعيا- الإصحاح 59، وبطبيعة الحال فأنا لا أعطف يهود العصر على تلك القبائل والأقوام اليهودية القديمة إن يهود اليوم نتاج حركة كولونيالية غربية أخذت بالتنظيم الدقيق وتغلغلت في النسيج الاستعماري الحديث، فصارت هي خلاصة هذا الاستعمار وصارت القوى الكولونيالية ممتدة إلى بلادنا عبر الحركة الصهيونية والكيان الصهيوني، والمشكلة الأخطر التي تفرض نفسها متمثلة في اتجاهين الآن، الأول هذا الارتداد الايديولوجي والديني للحركة الصهيونية و«إسرائيل» ونلاحظ الآن كيف يطرحون شعار (الدولة اليهودية) وكيف يقتلون الفلسطينيين بدم بارد وكيف ينظرون إلى القدس باعتبارها عاصمة موحدة أبدية «لإسرائيل» إن الكيان الصهيوني الآن يتعسف بلا توقف في (استبعاث) الجذر التاريخي والأيديولوجي المؤسس وهذه سمة صارت ثقافة معممة عند اليهود وفي الاتجاه الثاني نرى هذا الملمح الذي يطل بحيثياته في مؤسسات كثيرة تدعو إلى وحدة الصهيونية المسيحية بناءً على العهد القديم وهذه مسألة مزمنة تاريخياً كنا نقرأ لتشرشل رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية قوله إنه يحفظ ألف حكاية وحكاية لأجداده اليهود ولا يتذكر حكاية واحدة من أصوله الانكليزية، قبل ذلك يعرفنا التاريخ بوثائقه إلى الدور الذي قام به توماس جيفرسن أحد مؤسسي الولايات المتحدة الأمريكية ورؤساء جمهوريتها عبر تبنيه الكامل لمجموعات التشكيل الديني والفكري اليهودية التي اعتمدت الماسونية تنظيماً لها والتخطيط الشامل للأمم أسلوباً لحركتها السياسية، بإمكاننا في هذا السياق أن نستحضر فكرة لعالم الاجتماع الفرنسي الشهير والذي يدرس في كل الأكاديميات العربية والإسلامية جان جاك روسو حيث يقول (لا أرى في تاريخ البشرية إلا حضارات ثلاث هي النافعة والملهمة، حضارة الرومان وحضارة الإغريق والحضارة العبرية)، وأعود للتذكير أني لا أذهب في سياق البحث التاريخي عن هذا الخط الواسع والممتد لولا أن الواقع الراهن صار تحت أفق هذا التوجة الاستعماري الصهيوني ولا سيما في مسائل ثلاث هي الادعاءات التاريخية والأيديولوجية الراهنة وكأنما يبحث اليهود السياسيون عن شرط الأصل التاريخي لدعم بنيانهم في موازاة شرط العداء المطلق للعرب والمسلمين، هذه المسألة الأولى والثانية أن الكيان الصهيوني الآن وبتفهم من الغرب الأوروبي والأمريكي يحقن بالصفة التاريخية ويعتمدها أساساً في التعاطي السياسي المميز مع كل القضايا المطروحة على المنطقة، وأما المسألة الثالثة فإنما تفترضها هذه الحالة المذهلة في غرابتها حيث يتم تمزيق التاريخ العربي والإسلامي وتشويه حضارة هذه الأمة في لحظة يتصاعد فيها بصورة منهجية التركيز على جذور الحضارة (اليهودية المسيحية) الموحدة، وتلصق صفة الإرهاب والقتل بالمسلمين وتضاف قسراً صفة السلم والتحضر لليهود عبر كيانهم وحركاتهم ومؤسساتهم في الغرب، إن هذه المسائل الثلاث هي في التداول وغالباً ما تأخذ تأثيراتها صيغة المواقف والقرارات السياسية المعاصرة ويبدو أن الذاكرة الاستعمارية الصهيونية وقد استنفدت خصائص السيطرة الاقتصادية والعسكرية والثقافية تلجأ الآن إلى عامل التاريخ القديم، إنهم يبحثون عن مشروعية التاريخ فيما يدعم المشروعية السياسية البراغماتية وتدل أنماط سلوكهم فيما يمارسون من أفعال وما ينقبون عنه من آثار وما يبحثون عنه من وثائق كل ذلك يدل على أن البعد التاريخي والايديولوجي تحول إلى مهمة قصوى للحركة الصهيونية والكيان الإسرائيلي، ومن المسؤولية والموضوعية ألا نعمم هنا، هناك شخصيات يهودية لها مواقف إنسانية وموضوعية، صحيح أن هناك حاخامات أصدروا مؤلفاً دينياً وسياسياً يجيز ويوجب قتل الأطفال الرضع العرب خوفاً من دورهم في المستقبل، ولكن هناك أيضاً رجال دين يهود رأيناهم يدينون القتل الإسرائيلي في غزة ويفضحون بلا هوادة عداء «إسرائيل» للسلام والتعايش مع الشعوب في المنطقة، وبخط مواز فإن الغرب أيضاً ليس مستباحاً بالمعايير الصهيونية إلى هذه الدرجة، هناك أحرار ومفكرون ومنصفون وهناك مؤسسات بحثية ومجتمعية عرفت الحقيقة وأدركت الخطر الصهيوني ووقفت بلا هوادة إلى جانب الحق العربي، إن المسألة مفهومة في هذا الإطار لكن البواعث الضاغطة هي المقصدوهي المرصد في هذه اللحظة فالكيان الصهيوني صار يعتمد النزعة التاريخية في الادعاء كمحرض لإنجاز القرار السياسي الصهيوني الجديد، والعرب في غفلة إنهم مشغولون بالكيانات المجزوءة والمذاهب والأصول القبلية وهم لا يدركون إرهاصات التحول الصهيوني في هذه المرحلة والتي سوف تتسع فكراً وإرثاً وجغرافية حتى لا يسلم منها موقع عربي واحد، أقول أيها العرب احذروا الصهيونية كما حذرها غيركم قبل فوات الأوان.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية