تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


2010 عام إعدام أحلام أميركا الكبرى

The National
ترجمة
الأربعاء 13-1-2010م
ترجمة : ريما الرفاعي

تذكرت حالتنا الغريبة حين أعدت قراءة مقال كنت اطّلعت عليه في خريف 2001 بعد ضرب برجي نيويورك. حينذاك، كان من الواضح أن الحرب على الطريق، وأن الرجال والنساء الذين كانوا يقودوننا إليها لديهم أحلام توسعية وخطط ضخمة.

ذلك المقال الذي كتبه شخص أميركي من أصل أفغاني يعيش في كاليفورنيا، اسمه تميم أنصاري، نُشر على الأنترنت بعد خمسة أيام على اعتداءات نيويورك بعد أن سمع الحديث عن «إعادة أفغانستان إلى العصر الحجري». وقد كتب أنصاري، وهو مناهض لطالبان وأسامة بن لادن، محذرا من الحرب الأميركية المرتقبة. وقال كشخص يعرف أفغانستان، وبرؤية لم تكن جزءاً من عالمنا الأميركي آنذاك: « نصل إلى موضوع قصف أفغانستان وإعادتها إلى العصر الحجري. المشكلة أنّ هذا قد حصل. أخذ السوفيات الأمر على عاتقهم سابقاً، وجعلوا الأفغان يعانون أكثر مما كانوا يعانون أصلا . حولوا مدارسهم ومستشفياتهم إلى كومة حجارة وقطعوا عنهم الإمدادات الطبية. لقد تأخرتم أيها الامريكان وسبقكم أحدهم إلى فعل ما تهددون به أفغانستان. لكن هل ستنالون من طالبان؟ لا أعتقد ذلك».‏

أدهشني مشهد قنابلنا وهي تحرك الركام. بدا لي المقال كأنّه يلتقط الكابوس المنسي للماضي الأفغاني كما الكابوس المقبل، في الوقت الذي لم نكن نفكر فيه سوى بأنفسنا وبكابوسنا نحن. كنا وقتها قد اخترنا صورة لأنفسنا بوصفنا أعظم ضحايا العالم ،ولم نترك للآخرين في قصتنا أيّ دور سوى الشرّ الذي ملأه على نحو عظيم أسامة بن لادن.‏

لم تكن سياستنا الخارجية وحدها تميل نحو الأحادية، بل صورتنا عن أنفسنا أيضاً.‏

ثمة شيء واحد يمكن قوله عن الشخصيات المتعددة التي كانت في إدارة بوش، ومن ضمنها نائب بوش ذو عقيدة الواحد في المئة. كلّ هؤلاء المحافظين الجدد المختبئين في البنتاغون، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد الذي طلب بعد خمس ساعات على الهجوم خططاً لضرب العراق، كلّ هؤلاء كانوا يفكرون بطريقة استراتيجية جغرافياً. كان الكون كله يقع ضمن خططهم. وكانوا مغرمين بالجيش الأميركي، ورومانسيين في ما يتعلق بما يمكن لهذا الجيش أن يفعل.‏

كانت لديهم طموحات غير منتهية. وحتى مع زوال الاتحاد السوفياتي ، كانوا متلهفين لدحر روسيا ومحاصرة تأثيرها، وخصوصاً في آسيا الوسطى الغنية بالنفط. وكانوا يريدون تحويل هذه الامبراطورية إلى دولة درجة ثانية أو ثالثة، وكانوا متلهفين لمحاصرة إيران بقواعد عسكرية، والقضاء على نظام حكمها.وكان القول الأشهر وقتها: «الكل يريد الذهاب إلى بغداد، الرجال الحقيقيون يذهبون إلى طهران». بوجود رئيس ونائب له كانا موظفين سابقين في شركات نفطية، ومستشارة للأمن القومي أطلقت اسمها على ناقلة نفط، كانت الفكرة الأكثر جاذبيةً كيفية التحكم بتدفقات الطاقة.‏

لم يكن في أذهانهم أقل من فكرة أن تفرض أميركا فترة سلام عالمية، بالترافق مع سيطرة الجمهوريين الكاملة على الداخل الاميركي . وظنوا فعلاً أنّ هذا السلام يمكن فرضه بواسطة صاروخ كروز. وبما أنّهم تعرضوا هم أنفسهم للصدم والرعب في 11 أيلول، كانوا أكثر من جاهزين لرد الضربة واستعادة « بيرل هاربر القرن الواحد والعشرين» عذراً للقيام بأفظع ما يمكنهم، ومن ضمن ما تبجحوا به وقتها، استعدادهم لضرب ستين دولة. وتركزت هذه الدول في المنطقة التي كانوا يحبون تسميتها «قوس عدم الاستقرار» أو قلب النفط في العالم، حيث يفترض أنّ الإرهابيين يسرحون ويمرحون.‏

من الواضح أنّهم وجدوا ضالتهم، وتشبثوا بها لأنّهم وصوليون، وبدا للبعض أنّهم على الطريق الصحيح، حيث حققوا «انتصارين»، في بضعة أسابيع وعلى بعد سنة ونصف الواحد عن الآخر. اختفت طالبان في لحظات، وتوارى بن لادن تحت الأرض، بينما أصبح صدام حسين في ذمة التاريخ. بدا ما حصل كأنه معجزة القوة العسكرية الحديثة، فمن يستطيع الآن الوقوف بوجههم.. لا أحد.‏

أين نحن بعد ثماني سنوات؟ استفاد الصينيون والروس والماليزيون، وغيرهم من تلك الأحلام النفطية دون أن يصرفوا سنتاً واحداً على الحرب. عاد الروس إلى آسيا الوسطى، بينما يرسل الصينيون اليوم نفط آسيا الوسطى الى الصين عبر خطوط أنابيب افتتحت حديثاً.‏

الجيش الأميركي في حالة انهيار بعد أن سخر تمردان صغيران لا يزيد عدد أفراد كلّ منهما على عشرات الآلاف، من هذا الجيش الذي من المفترض أنّ المتمردين خرقوا أكثر الأسلحة المتطورة التي يملكها البنتاغون، وهي بثّ حي من الطائرات الصغيرة من دون طيار بواسطة قطعة روسية الصنع اشتروها بـ 26 دولاراً. أي عندما تمكن القادة الأميركيون في فيرجينيا أو نيفادا أو أماكن سرية في الشرق الأوسط من الاطّلاع بواسطة ملايين الدولارات على صور المناطق التي يمكن قصفها، كان العراقيون وربما الأفغان وأعضاء الميليشيات يشاهدون هذه الصور على حواسيبهم المحمولة.‏

بعد ثماني سنوات، أصبحت أحلام إدارة بوش في مزبلة التاريخ. وكلّ الأفكار الكبيرة التي رافقت هاتين الحربين الكارثيتين ذهبت أدراج الرياح. لكن في البلدين، تبقى القواعد العملاقة كندوب في الأرض، وتستمر حروبنا دون أي منطق. ولم يتصل أحد ممن له صلة برسم سياسة أميركا، العسكرية والمدنية بتميم أنصاري، فلا ينفع أن يكون المرء محقّاً في عالمنا هذا.‏

 بقلم : توم إنغلهارت‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية