تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


وعي الذات ومعرفة الآخر.. تجربة حياتية لشباب جامعي

شباب
الأربعاء 13-1-2010م
عبير ونوس

رحلة امتلأت بكثير من الآمال والتحديات والاكتشافات، والأهم التجارب الجديدة التي عشناها كفريق من الشباب الجامعي وعلى رأسها تلك التي جمعتنا ونقلتنا إلى مستوى جديد من وعينا لذاتنا وللآخرين خلال إقامتنا في ألمانيا قرابة الأشهر الستة.

تجربة كانت ومازالت تحتل الصدارة في أحاديثنا مع الآخرين، وستبقى الحدث الذي لا نمل من تناوله والخوض بما أنتجه من خبرات جديدة لم نكن لنعيشها لولا اشتراكنا مع زملاء آخرين بمشروع الماجستير المقام بين جامعتي دمشق وإرلنغن الألمانية عن وعي الذات وإدراك الآخر في السياسة والتاريخ والثقافة من خلال حوار أكاديمي في إطار العلوم الإنسانية بين الجامعتين.‏

ثلاث سنوات من العمل الجاد لفريقين من الشباب الجامعي السوري والألماني حرصوا خلالها على اكتساب المعرفة وتطوير الذات متخذين من الحوار سبيلاً لالتماس نقاط الالتقاء تجربة جديرة بالتوقف عندها للتعرف على ماحققت لخائضيها وجعلها تتبوأ الصدارة في أحاديثهم مع الغير.‏

2007 كانت البداية‏

بدايات التواصل كانت في جامعة دمشق بخريف 2007 من خلال حلقات الدراسة التي جمعتنا بالأساتذة الألمان، ومجموعات الطلاب القادمين معهم (25 طالباً) لمشاركتنا الدراسة والتعرف على المجتمع السوري على مدى ثلاثة فصول دراسية، شكلت هذه الفترات مرحلة جديدة بالنسبة لنا مختلفة عن سابقاتها من خلال ماتم طرحه من مواد دراسية بحثت في الكثير من المواضيع والمفاهيم الهامة في إطار العلاقة بين العالم العربي وأوروبا‏

«الاستشراق، المواطنة، القومية، الديمقراطية..» بأسلوب برز فيه النقد والحوار، والنقاش الذي تميز بالغنى نتيجة لتنوع اختصاصات الطلاب في الجانبين الألماني والسوري.‏

حلقات الدراسة هذه كانت باللغتين العربية والانكليزية وأدرجت الألمانية كمقرر دراسي طوال فترة الدراسة، الأمر الذي دعم الاهتمام باللغات لأنها أساسية في عملية البحث العلمي، والتواصل مع الآخر الأوروبي وساهمت هذه الحلقات بما دار فيها من نقاشات علمية ومارافقها من نشاطات ولقاءات بإفساح المجال لتبادل وجهات نظر غيرت الكثير من المفاهيم والتصورات القائمة في أذهاننا عن الآخر وتابعنا هذا التواصل بعد سفرنا إلى ألمانيا في جامعة فريدريك الكسندر في إرلنغن من خلال اللقاءات مع المشرفين وحضور الحلقات الدراسية والحصول على مادة علمية غنية عن أوروبا من المكتبات الألمانية كلها.‏

ويتابع المكتشفون الشباب وقائع تجربتهم بالقول إن محور المشروع قام على أساس التفاعل والوعي المتبادل بين أوروبا والعالم العربي الأمر الذي دفعنا لاختيار أبحاث تتناول أوروبا وعلاقتها بالعالم العربي، في ميادين تنوعت بتنوع اختصاصات الطلاب، وكان لتجربة السفر والإقامة في ألمانيا دور في إضافة رؤية ووعي جديد للأبحاث التي بدأناها بدمشق حيث نقلتنا كطلاب باحثين من العالم النظري للبحث المستند إلى مفاهيم وتصورات الكتب والباحثين والآخرين إلى الواقع الملموس لتكون بالنسبة لنا تجربة حية تقوم على الاحتكاك بالواقع إضافة للملاحظة والنقد والإجابة عن الأسئلة.‏

التبادل الطلابي ضرورة لمعرفة الآخر‏

التواصل والتفاعل المباشر طرحهما المشروع منذ البداية كعامل أساسي لتشكل إدراك الآخر، لذلك جاء التبادل الطلابي الذي رافقه إضافة لهدفه الأكاديمي استجابة لضرورة معرفة ( الآخر) في بيئته ومحيطه، والتعرف عليه عن قرب بواسطة الحوار وتبادل الخبرات بالشكل الذي ينعكس إيجاباً على التحليل والبحث العلمي، وبداية تفاعل شبابنا الجامعي مع المجتمع الألماني من خلال إقامة كل واحد في سكن جامعي يضم طلاباً من جنسيات مختلفة مناخه العام يحرض على مشاركة الآخرين في الكثير من الأمور الحياتية اليومية بدءاً من المنزلية مروراً بالنشاطات الرياضية والحفلات التي تتم وفقاً لتنظيم الطلاب أنفسهم، الأمر الذي شكل بيئة خصبة للتعرف على الطالب كنمط خاص في ذلك المجتمع.‏

الهموم واحدة.. والاختلاف فقط بطريقة التعبير‏

التدريب العملي تطلب منا العمل كل حسب اختصاصه لبضعة أسابيع مع مجموعة من المؤسسات الألمانية بمدن مجاورة لإرلنغن، الأمر الذي أضاف عمقاً آخر لتفاعلنا مع المجتمع الألماني، وشكل فرصة لاكتساب اللغة من خلال الحوار اليومي، والمزيد من المعرفة لطبيعة العمل المؤسساتي وآلياته بشكليه الحكومي والخاص بمجالات متنوعة متصلة بدراستنا كما ساعدنا البرنامج على بناء علاقات كثيرة تجاوزت حدود العمل، حيث تمكنا من التعرف على الأشخاص عن قرب في حياتهم اليومية مع أسرهم وعوائلهم والاطلاع على حاجاتهم وهمومهم التي ظهرت في نهاية الأمر شبيهة بحاجاتنا وإن اختلفت طرق التعبير عنها، وكان لدورات اللغة الألمانية مساهمة بتأمين الاحتكاك مع الطلبة الأجانب الموجودين في إرلنغن الأمر الذي يساعدنا على التعريف بأنفسنا وحضارتنا والتعرف بالمقابل على الكثير من شعوب العالم.‏

كما ساهمت الرحلات والمناسبات التي شاركنا فيها بالتعرف أكثر على عدد من المدن وتقاليدها وبشكل خاص رحلتنا إلى العاصمة برلين التي مثلت محطة مهمة في التعامل مع المجتمع الألماني نظراً لخصوصيتها وتفردها ففيها تعرفنا على واقع الأقليات وطبيعة حياتها وعلاقاتها في مجتمع العاصمة الكبير وكأشخاص سعينا إلى خلق قنوات جديدة للتواصل فظهر انفتاحنا ورغبتنا في التعرف على المجتمع كما هو من خلال مشاركتنا في بعض النشاطات الرياضية والفنية، وسواها من الأمور الحياتية كاستخدام الدراجة الهوائية وهو أمر تشتهر به مدينة إرلنغن نظراً لوجود الأحزاب المهتمة بالبيئة بشكل كبير كحزب الخضر فضلاً عن تصميم شوارعها وأرصفتها بشكل يتيح استخدام الدراجات.‏

الاحتكاك يولد وعياً جديداً للاختلاف مع الآخر‏

العلاقة المباشرة التي أقامها شبابنا الجامعي مع الآخر ولدت لديهم وعياً جديداً لمفهوم الاختلاف معه، وإدراكاً جديداً له فأضحت أراؤهم عنه بعد العودة من السفر تأخذ شكلاً مختلفاً لأنها لم تعد صوراً سمعناها والقول لهم أو معلومات قرأناها بل أصبحنا نتكلم ونناقش بناء على رؤية جديدة مستمدة من تفاعلنا الشخصي بعيداً عن الأحكام المسبقة المنحازة بشكل غير واقعي سلباً أو إيجابياً ودون أن نختصر الآخر فقط في الآخر الأوروبي أو الألماني بل ظهر هذا الآخر أيضاً ضمن مجموعتنا السورية كوننا طلاباً من اختصاصات متعددة ومن بيئات وخلفيات ثقافية متنوعة داخل النسيج السوري.‏

الاستقلالية تجربة جديدة على معظمنا‏

إدراكنا الجديد للآخر ترافق مع وعي جديد لذواتنا، بدأت و ملامحه الأولى تتضح من خلال المقابلات التي جرى من خلالها اختيار الطلاب المشاركين بالمشروع والتي ظهرت فيها شخصية الطالب وطرق تعبيره عن ذاته كمعيار من معايير الاختيار إلى جانب المستوى الدراسي استمر ذلك من خلال العلاقة التي جمعتنا والكلام للفريق المشارك بالمشروع مع الأساتذة والطلاب الألمان في جامعة دمشق حيث كان المجال واسعاً للنقد والحوار والتعبير عن آراء الذات، وهذا تجسيد للفكرة الرئيسية للمشروع المستندة على مبدأ جوهري يقوم على العلاقة المتبادلة بين وعي الذات وإدراك الآخر من حيث ارتباط كل منهما بالآخر كضرورة لازمة له.‏

وأضافوا مبينين أن فترة الإقامة في ألمانيا كانت مليئة بالتجارب التي أعطت أبعاداً جديدة لهذا الوعي، والبداية كانت تجربة الاستقلالية التجربة الجديدة على معظمنا، بكل ما تفرضه من مسؤوليات وقرارات يومية حتى الجريئة المتعلقة بالسفر من ألمانيا إلى سواها من الدول الأوروبية مروراً بمنحنا مجالاً واسعاً لبناء علاقاتنا الشخصية مع المجتمع الألماني والخروج بنتائج خاصة.‏

وختموا بالقول لا بد لنا من الاعتراف بالتنوع والتعدد الهائل للخبرات التي استقيناها من مشروع وعي الذات وإدراك الآخر على مدى ثلاث سنوات من العمل بمساعدة جامعتي دمشق وإرلنغن والتي من الصعب جمعها كلها في دقائق معدودة كما لابد من الاعتراف أن الكثير من الخبرات المستمدة من هذه التجربة لم تظهر بعد هذه التجربة هي محطة مهمة في إدراكنا لذواتنا وللآخرين دون الجزم بإيجابية هذا الإدراك كما أنها إلى جانب كونها قد أجابت عن الكثير من الأسئلة إلا أنها قد ولدت الكثير غيرها في إطار هذا التفاعل اللامتناهي بين الذات والآخر، وبين أوروبا والعالم العربي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية