|
فضائيات الغريب بالأمر والشيء الذي لا يدركه المشاهد هو أن تلك المشاهد، على الرغم من فظاعتها ودمويتها، أصبحت مشاهد مألوفة بل إنها أصبحت مادة يبحث عنها محبو الأفلام خاصة أولئك الذين هم «بكل بساطة» من هواة أفلام العنف! هذا الأمر ليس اعتباطياً، فهو يقدم العقيدة التي بنيت على أساسها أمة كاملة. أمة قامت على إبادة شعوب بكاملها والاستيلاء على أراضيها وعلى ثرواتها وعلى تجريدها من أبسط حقوقها بالحياة. إنها انعكاس طبيعي لحالة مجتمع خائف يعتقد أن الآخر آت لا ريب بهدف قتله والاستيلاء على ما يملكه، فلا يكون منه إلا أن يستبق الأمور ويقضي على كل من يحمل دلالات تهديد «مباشراً كان أم غير مباشر»، إنه مبدأ البقاء على حساب ضعف وموت الآخرين والمبرر الوحيد لكل هذا القتل هو الخوف من الخطر الآتي من الآخر. ويتماشى هذا المبدأ مع المثل العامي القائل «اللص يخاف على بيته من السرقة»! تتميز مشاهد القتل في هوليوود بحالتين لا ثالث لهما، فإما أن تتعاطف مع الذي يتعرض للقتل نتيجة كل المؤثرات التي تحيط بحالة موته، بدءاً بالموسيقا التصويرية وطريقة تناول المشهد وانتهاءً بالعبارات المليئة بالروح الإنسانية التي يترافق قولها مع القتل (وهنا يكون القتيل على الأغلب إما طفلاً أو امرأة و ربما يكون سارقاً أو قاتلاً لكن على الطريقة الأميركية الجذابة) أما الحالة الثانية فتكون مغايرة للأولى تماماً، فالمقتول هنا يستحق الموت والتعذيب والتنكيل، وهو يقتل محاطاً بكل المؤثرات التي تجعل من موته حدثاً سعيداً بدءاً بالموسيقا التصويرية وطريقة تناول المشهد وانتهاء بالعبارات التي تترافق مع قتله وهي على الأغلب عبارات تشفٍ وانتقام، أو دعابات بذيئة أو سخيفة تجعل من المقتول أقل قيمة من ذبابة أو صرصار( وهنا يكون المقتول على الأغلب آسيوياً أو عربياً أو روسياً أو أي جنسية أخرى تشكل خطراً على حياة المواطن الأميركي المسالم) إنها ثقافة تصرف شركات هوليوود ومؤسساتها مليارات الدولارات على تغذيتها وجعلها ثقافة عالمية، فمن غير المعقول أن تكون النسبة القصوى من الأفلام المنتجة في أعظم أمة في العالم هي أفلام عنف وقتل وموت. أفلام تخلو من أي حالة إنسانية حقيقية (حتى المواقف التي تبدو إنسانية تكون على الأغلب مبتذلة ومفتعلة بشكل يدعو إلى الغثيان). فالمطلوب منك هو أن تتعاطف مثلاً مع عصابة سطت على بنك وقتلت الكثيرين أثناء هذا السطو كفيلم «الحرارة» «heat» مثلاً. أو مع شاب وفتاة منحرفين يقومان بقتل كل من يصادفانه لمجرد التسلية كفيلم «ولدوا قتلة بطبيعتهم» «natural born killers». الأمثلة كثيرة وما على أحدنا إلا متابعة ما تبثه إحدى المحطات العربية من أفلام على مدار الساعة ليعرف كم هي كثيرة هذه النوعية من الأفلام المرعبة. أما الذين لا نتعاطف معهم فقد اعتدنا على رؤيتهم يموتون في الأفلام كالذباب وبالمئات. إنهم أولئك الملونين من كل الأجناس والجنسيات (أصفر، أحمر، أسود، أسمر). إنها عملية التحضير التي تخضع لها الشعوب دائما لتكون على جاهزية تامة لرؤية نشرات الأخبار المليئة بالقتلى العرب والأفارقة والآسيويين وكل أولئك الذين يستحقون الموت لمجرد أنهم الآخرون! |
|