تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كل أربعاء .. نهار المقاومة و ليل الإرهاب !

منوعات
الأربعاء13-1-2010
سهيل إبراهيم

لم يخلُ التاريخ البشري يوماً من الاحتراب و العنف ، و لم يعثر الناس يوماً على جمهوريتهم الفاضلة إلا في رؤوس بعض الفلاسفة و الشعراء و دعاة السلام ، أمم تصارعت في كل العصور ،

فانهزمت أو تكلل جبينها بغار النصر ، و ثقافات تعارضت فانقسم البشر حولها ، و حين لم تسعفهم لغة الحوار لفك الاشتباك الثقافي فيما بينهم ، امتشقوا السلاح و ذهبوا إلى الحرب دون أن تحسم الحرب شيئاً في ثوابت العقل و قيم الروح !‏

نحن من بين هذه الأمم التي جربت الصراع و اكتوت بنار الحرب في أحقاب تاريخية طويلة ، فانكسرت و انتصرت ، فلملمت جراحها في مناخات الهزائم الداكنة ، و وقفت على أقدامها ، و بحثت عن نصرها ، فصقلت معدنها الأصيل ، و استلهمت مخزونها الذهبي من القيم و منجزات العقل و أحلامها الزاهية لتكتشف طريق الخلاص ، على ضوء التماع فكرها ، و نبض قواها الحية التي ما زلنا نكتنز جمرها منذ أقدم العصور !‏

إحدى حلقات الصراع المرير بيننا و بين الغرب الاستعماري نكتب فصولها اليوم تحت عنوانين متعارضين و ملتبسين ، للأول منهما معنى المقاومة ، و هو العمود الفقري لثقافتنا النضالية الراهنة ، و للثاني منهما معنى الإرهاب ، و هو جوهر الفلسفة الحربية التي تعتمدها الأصولية الاستعمارية الجديدة في محاكاتها للعرب و الوسط الآسيوي الإسلامي ، قبل و بعد أحداث الحادي عشر من أيلول في نيويورك و واشنطن ، و ما تبع هذه الأحداث من احتلال لأفغانستان و العراق ، بحشد أطلسي متعدد الأطراف !‏

هو تصادم ثقافي بالشكل ، لأن الفارق بين المقاومة و الإرهاب لا يمكن أن يعمينا عن حقيقة الطفرة الإرهابية التي تجتاح عالمنا دون أن تحمل هوية عرقية أو دينية أو قومية محددة ، و لا يمكن أن يعمي صناع السياسات الاستراتيجية في الغرب عن حقيقة المقاومة في أي مكان و في أي زمن ، كرد فعل طبيعي و مشروع في وجه الاحتلال ، و ضد قوى الهيمنة و السيطرة المدججة بالسلاح المتفوق ، و التكنولوجيا الحديثة ، وخصوصاً أن هذا الغرب كان قد جرب في ماضيه القريب أشكالاً من هذه المقاومة ، و كسب رهانه عليها ، و حصد استقلاله ببركة دم أبطالها !‏

إن تعمُّد الخلط بين المقاومة و الإرهاب في الإعلانات السياسية الغربية يخفي في جوهره مضمون هذا التصادم الثقافي و القانوني و الأخلاقي بين ما صار يعرف اليوم بالمجتمع الدولي ، و طلاب التحرر و الحرية في وطننا العربي و عالمنا الإسلامي ، لأن فرز هذين العنوانين و تعريفهما وفق الشرائع الدولية يوصل إلى مكان لا يريد الغرب أن يصل إليه ، مهما سدد من الفواتير الباهظة بالمال و القيم و الشرف الإنساني ، فالاعتراف بالمقاومة يدمر أسس الهيكل الصهيوني في فلسطين المحتلة ، و ينسف مبررات غزوه العاري للعراق و أفغانستان ، و يشعل النار في خرائطه الاستراتيجية الجديدة لاستيلاد الشرق الأوسط الجديد !‏

عن عمدٍ إذاً و سابق تصور ، ضخَّ الغرب الاستعماري كل هذا الهواء المسموم في سماء منطقتنا ، و زرع فيروسات الإرهاب في تربتها ، دون أن يحسب حساباً لانتقال هذا الوباء حيثما ذهبت به الريح غرباً أو شرقاً و في كل جهات الأرض ، فالإرهابي الذي جرب ديناميته في مجمع أوكلاهوما لم يأت من الشرق و لا من أرض العرب ، و الجيش السري الإيرلندي لم يتدرب في معسكرات القاعدة في تورا بورا ، و ثقافة العنف التي تصرع بالرصاص امرأة ترتدي حجاباً قرب قوس المحكمة في ألمانيا ، لا تتصل مع الحضارة بأي سبب من الأسباب !‏

أن يكون في أمتنا مقاومة تقض مضجع الاحتلال ، فهذا شرفنا و كرامتنا و عنوان ثقافتنا النضالية الحديثة ، أما أن يكون فيها إرهاب و إرهابيون فهذا من خلائط هوائكم المسموم الذي أغرتم علينا به بالطائرات النفاثة و الصواريخ العابرة للقارات ذات ليل مظلم ، و حين يطلع النهار سيزول كل التباس لما يشرق صبح المقاومة عن النصر المبين!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية