تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مؤتمر طهران وسُوريّة الحل السياسي

شؤون سياسية
الخميس 22-11-2012
بقلم الدكتور فايز عز الدين

لفتت بعض الدراسات الاجتماعية حول الطبيعة العربية عموماً, ووصَّفَتها بأنها طبيعة لا تاريخية, ونحن الآن لسنا بصدد إثبات هذه المقولة, لكن رحلة امرئ القيس إلى آسيا الصغرى ليستعين على أبناء عمومته,

ونتائجها أليست موجودة وهل تؤخذ منها العِبَر ؟! ومباحثات حسين مكماهون بُعيد الحرب العالمية الأولى ووعود الحلفاء, وما نتج عنها من وعد بلفور, وسايكس - بيكو ألا تُقرأ بعقل تاريخي يستفيد من العَبرةِ؟‏

وكيف تصرفت الجامعة العربية في عام النكبة 1948 ووفّرت ظروف احتلال فلسطين, ثم كيف تصرفت بالأمس لتوقف العدوان على غزة ألا يُقرأ هذه المشهد المخزي للجامعة ؟! ثم حين نذهب من جديد إلى آسيا الصغرى, ونطالب بالتدخل العسكري لتدمير بلادنا سورية دون أن تأخذنا في هذه المطالبة أية وقفة ضميرية مع الذات, ألا يُقرأ هذه المشهد بعقل تاريخي ؟! نعم إن العقل التاريخي يجب أن يُستنهض في الذات العربية حتى توفّر الكثير من المآسي, وضياع البلد. ورغم هذا هاهم في مؤتمر الدوحة, وما صدر عنه من هيئة جديدة, أو من شعارات لا يزالون على صورة مَنْ تسبب في حرب البسوس في التاريخ العربي, وقاتل العرب ببعضهم أربعين عاماً حتى أبقاهم في أعمق مظاهر تخلّف المجتمع الرعوي.‏

ونحن هنا لا نرفض الخارج الصديق الذي يقدم مساعدات, وآليات, وديناميات وما يمكن عمله من أجل أن تُخْلَقَ بيئة الحل السوري السياسي بالإرادة الوطنية, والإدارة الوطنية, والعقل الوطني, والسيادة. وعليه فالذين يذهبون إلى طهران أو موسكو, أو بكّين يذهبون ليس من أجل طلب التدخل العسكري الأطلسي في تدمير الدولة والوطن السوري بل من أجل البحث في كافة سبل التقاء السوريين بمكوناتهم جميعها على شعارات مشتركة, أو عقيدة مشتركة, أو منهج عمل مشترك يصنع البيئة الوطنية لظهور توجهات ذهنية, وروحية, ووجدانية توقف دورة العنف, وتُخرج من المدن السورية الأغيار الذين أدخلوهم لكي يجوع المواطن, ويموت الشيخ, ويقتل الطفل, ويتمزّق البنيان الاجتماعي, وتهدم المدن السورية على ساكنيها بحجة الحرية, والعدالة, والديمقراطية. فالذين يسعون مع الأصدقاء لوقف دورة العنف المدمّرة في سورية, ويبحثون عن سورية الحل السياسي, وعن الوجه الجديد للتعددية والمشاركة الوطنية الكاملة, وعن خارطة بناء الدولة العادلة الديمقراطية أكثر وأكثر، هؤلاء لا يمكن أن يُحسبوا مثل مَنْ ذهب إلى قيصر الروم ليسترد ملكاً مُضاعاً ,وما زال يذهب. وما حدث في طهران في قلب هذا الأسبوع بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري بمشاركة مائتي شخصية سورية يمثلون الدولة, والمعارضة, والمستقلين والعشائر يعتبر خطوة مهمة, وضرورية تتأكد فيها عوامل مختلفة: الأولى أن سورية لا يزال فيها بأطيافها المختلفة من لديه الجهد المخلص للخروج بالبلد من دوّامة العنف بعملية سياسية تدخل بالبلد رحاب مصالحة وطنية شاملة بأهداف وطنية يلتف من حولها الجميع.‏

والثاني أن إيران, وروسيا, والصين, والبرازيل والهند, وجنوب أفريقيا دول صديقة تضع كامل ما لديها من طاقات من أجل خروج سورية من المحنة موحدة أرضاً, وشعباً, ومَنْ يريد لنا الخروج من المحنة لا يتساوى مع مَنْ يسعى بكامل ما لديه من قوى التدمير لكي يُبقينا فيها. والثالث أن هذه الدول ذاتها هي اليوم الكتلة الصلبة في النظام العالمي الذي يتشكل رغماً عن أنف التحالف الأمروصهيوأوروبي, والذين يعتقدون أن كل شيء ما زال بقبضة أميركا ويضعون كامل بيضهم في سلتها أصبحوا واهمين وغير مدركين للتحولات العالمية الراهنة, ولاتجاه العصر. والرابع أن الحرب على غزة من قبل كيان العنصرية المدعوم أمروأوروبياً والتخاذل الذي شاهدناه في الجامعة العربية التي لم يعد فيها للعرب والعروبة شيء صار قضية برهانية أمام من اعتقدوا أن أميركا تحب للعرب المزيد من الحرية, ولكنها اليوم تحب لهم المزيد من القتل بآلة الحرب الهمجية. والخامس هو أن غزة ما زالت تقصف بصواريخ من صنع سوريا, والجاحدون العرب يقصفون سورية بصواريخ إسرائيلية. والسادس ان استنفار سورية منذ الدقيقة الأولى على العدوان على غزة وارتباك العرب الذين ما زالوا بقبضة قيصر الروم, يشير إلى أن نهج المقاومة لا يزال هو الصحيح, وما يزال العرب بحجة الخطر الإيراني, أو الهلال الشيعي يأخذون الأعذار حتى لا ينكشفوا أمام شعوبهم بأنهم قد أعطوا فلسطين والأرض العربية التي احتلتها إسرائيل لإسرائيل, وبصموا على ذلك, ولا يقوون على التراجع لأنهم لا يملكون إرادة العروبة, وضمير العرب. والسابع والأخير يجب أن ندرك جميعاً أن حصاد الربيع العربي قد آن بأن تُحتل غزة وتدمّر, ويواصلون تدمير سوريا, وهم على ضمانة كبيرة من العرب لتدمير الأردن, والعراق حتى يتم الإفراج عن المشروع الصهيوني الذي انكفأ بصواريخ المقاومة المصنوعة سورياً, وحتى لو إيرانياً, وروسياً؛ ألا يفرحنا – نحن العرب الأقحاح – حين نرى نتنياهو, وليبرمان, وبيريز يدقّون أجراس الإنذار ويهرعون إلى جحورهم من صواريخ المقاومة, ألا يفرحنا أننا أصبحنا نهدد كل بقعة من أرض فلسطين المحتلة ومستوطنيها ومَنْ وقف داعماً لها ؟؟ إن هذا التحول في إرادة المقاومة العربية لا بد أن يُلقي بظلاله على الذين عقدوا مؤتمر طهران للحوار الوطني ليصدروا عما يتوافق مع أماني السوريين في الحل السوري الذي يوقف دورة العنف, ويأخذ الجميع إلى رفض التدخل, ويفتح طاولة الحوار السورية على التفاهمات الجديدة, والعقيدة المشتركة للسوريين الذين لديهم إرادة الحل الوطني السيادي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية