|
معاً على الطريق كما ركزت على الممارسات القمعية والتعسفية وعلى حقوق الإنسان, دون أن تدخل بشكل جسور إلى جوهر ولب المسألة الديمقراطية المتمركزة في الفعاليات والأنشطة الاجتماعية المختلفة في الأسرة والمدرسة والقبيلة والدين والمعتقد وميادين العمل ومدارج الحياة. وبداية أقول إن الديمقراطية ليست شعاراً أو مطلباً أو هدفاً فقط بل هي أكبر كائن حي عرفته الخليقة في تاريخها والذي سارت في عروقه دماء العبيد والمستعبدين والمستضعفين وعلى رأسهم سبارتاكوس, فالديمقراطية هي تراث وحضارة وتقاليد وجدلية ووعي وفكر وممارسة وسلوك وفعل وموقف يومي. وبعيداً عن الذاتيات وخارج إطار الاخوانيات أرى الواجب يقتضي أن اتوجه بالشكر إلى جريدة الثورة الغراء لما أبدته من جرأة في تحمل تبعات عملية ملامسة الخطوط الحمراء وعلى الأخص في تناول المسألة الديمقراطية بنوع من التشريح المبضعي, ولتعاونهم الوثيق لتعميق هذه المسألة ضمن الامكانيات المتاحة والسقوف المعقولة والمقبولة. ولابد من توجيه الشكر أيضاً للصديق العزيز الدكتور نبيل طعمة للدور البارز الذي لعبه ويلعبه في تقديم مختلف أشكال الدعم لإظهار المعجم التاريخي للغة العربية إلى الوجود, هذا المشروع الضخم الذي من المفترض أن يشتمل على عشرات الملايين من الكلمات ومئات الآلاف من المفردات والمصطلحات والذي من مكوناته المعجم التاريخي للخطاب السياسي السوري ومعجم ادبيات الرئيس بشار الأسد والذي عرضت بعضاً من جوانبه في ملحق خاص نشرته مجلة الأزمنة الغراء بتاريخ 28/1/.2007 ولقد طلبت من رئاسة التحرير نشر جزء من معجم أدبيات الرئيس بشار الأسد والذي يقتصر على كلمة (الديمقراطية) فقط والذي جرى سحبه من المعجم العام بشكل وثائقي والكتروني شامل. وكان القصد من ذلك هو عرض مسألة الديمقراطية من ضمن منظور شبه شمولي بعيد عن الاجتزاء ومناقشتها بحرية في إطار فكر صاحب القرار السياسي الأول في البلد, وعلى الأخص ونحن على أعتاب استحقاقين ديمقراطيين: الأول انتخابات مجلس الشعب, أما الثاني فهو الاستحقاق الرئاسي, آملاً أن تؤسس هذه الخطوة إلى توسيع دائرة النقاش شعبياً قدر المستطاع, وأنا على يقين تام أن الرئىس بشار الأسد مفتون بمسألة الرأي الآخر ولا يضيره أن تناقش أفكاره علناً, كما أود الاشارة هنا إلى حقيقة فنية فرعية تتلخص بأن الكلام لا يخرج آلياً من الحاسب إلا مشكولاً لأسباب تقنية ومعجمية. إلى جانب مختلف أشكال القمع السياسي والسلطوي الذي عايشته على مدى عقود من الزمن كنت أفكر دائماً بأشكال القمع الديني الذي تعرضت له شخصياً في مراهقتي الأولى, والذي جعلني غير قادر على التواصل مع محيطي وحتى مع أسرتي وأخي الوحيد مروراً بالقمع التعليمي الذي عانيت منه الأمرين وعلى الأخص ذلك السيف المسلط الذي اسمه النحو ثم مررت بمرحلة القمع الايديولوجي عبر محاولة المتمرسين في فنون الكلام مصادرة الرأي الآخر. ولقد عملت جاهداً من وقتها على استحداث طرائق ومناهج تعليمية مبتكرة تكسر الأطواق وتخترق الحواجز ليقيني التام أن الديمقراطية كل لا يتجزأ, وليقيني أيضاً أننا لا يمكن أن نصل إلى مجتمع عربي ومسلم ديمقراطي ومعافى مع وجود هذا الكم الهائل من الأميين ناهيك عن الأمية الثقافية المعرفية والسياسية والتراثية والتاريخية والدينية. وحين فكرت في وضع موسوعة شاملة للقرآن الكريم وللحديث النبوي الشريف فإن هدفي الجوهري كان التأسيس لشيء يمكن تسميته بديمقراطية المعرفة الدينية, بمعنى أن تتوفر مصادر الفقه بشكل دقيق وعصري ومبوب تضع حداً لاستبداد بعض رجال الدين وتترك للمسلم حق الاختيار بحرية خارج سلطة المذاهب والمشيخات على مبدأ (اختلاف أمتي رحمة), وكنوع من التأسيس أيضاً للانطلاق إلى فضاءات اسلام ما قبل المذاهب. وتبقى المسألة الدينية أساسية ومفصلية في جوهر وتفاصيل المسألة الديمقراطية, فكيف للكيان الصهيوني الهجين والطارىء على منطقتنا أن يمارس الديمقراطية ويحاور الآخر وهو يؤمن بشكل فوقي وعنصري أنه شعب الله المختار? وحقيقة الأمر أن هذا الانفصام الذي تعاني منه مجتمعات الكيان الصهيوني يتركز أولاً على الفرق بين اليهود الاقحاح وبين اليهود (الجلب) الذين لا يحق لهم حتى أن يدفنوا في مقابر اليهود الاقحاح, ناهيك عن العنصرية الفاقعة التي تمارس على الفلسطينيين كمواطنين من الدرجة الثالثة أو العاشرة. وخارج هذا السياق فإن الديمقراطية التي يمارسها الكيان الصهيوني ضمن الإطار السياسي البحت هي مهزلة كاملة, فكيف لايهود أولمرت أن يستمر كرئيس للحكومة بعد أن اثبتت استطلاعات الرأي أنه يحظى بتأييد ثلاثة في المئة فقط من الشعب الكياني, وكيف لعمير بيرتس أن يستمر في منصب وزارة الدفاع وهو يحظى بواحد بالمئة من التأييد? وحقيقة الأمر أن مشكلة الديمقراطية الغربية تتمركز حول الانفصام الحاصل بين مؤسسات الديمقراطية وبين الشعب, وعلى سبيل المثال فإنه بصرف النظر عن البنية الثقافية والمعرفية الهشة في مجتمعات الولايات المتحدة حيث أظهر استطلاع صاعق أن 51% من الشعب الأميركي لا يعرف أن الأرض كروية, فإن الكونغرس الأميركي الصهيوني لا يمكن أن يعكس تطلعات وأماني الشعب الأميركي. ناهيك عن حقيقة أن نصف الشعب الأميركي شارك في الانتخابات الرئاسية السابقة وأن الرئيس بوش قد حصل على نصف الأصوات بمعنى أنه حصل على تأييد ربع الأصوات في أوج شعبيته فما الحجم الحقيقي لشعبيته اليوم? تمارس البرلمانات عادة فعالياتها ضمن إطارين رئيسيين اثنين: الأول يتعلق بالسياسة الخارجية والآخر يتعلق بالسياسة الداخلية, ومعروف أن برلمانات الدول التي تعاني من تبعية ودوران في الفلك الأميركي هي مأزومة دائماً. وسبق أن قلت مراراً وتكراراً إن الوطنيين الشرفاء والمناضلين الحقيقيين لا يمكن أن يعيشوا في دول أنظمتها مرهونة للخارج فمصيرهم إما السجن أو المنفى أو التصفية الجسدية, وبما أن قرارنا وطني وغير مرهون للخارج فمن غير الممكن أن نعيش برلماناً مأزوماً, وتبقى المسألة محصورة في الإطار الداخلي. وحيث إن مكافحة الفساد والحد من الهدر ومكافحة المحسوبية وعصرنة المؤسسات مجملة ضمن قرار سياسي متخذ على أعلى المستويات فليس ثمة معوقات من مجيء مجلس شعب فاعل وديناميكي يتحمل قسطه من مسألة تطوير البلد عبر مجموعة من الشخصيات الوطنية الغيورة المشهود لها بالكفاءة ونظافة الكف وبقدرتها محاسبة ومساءلة السلطة التنفيذية لحثها على تنفيذ المهام الوطنية الموكلة إليها, واعتقد أنه آن الأوان لسبر قوى المعارضة الوطنية الشريفة المستقلة. |
|