تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


القمة العربية.. والتفاؤل المشروع

شؤون سياسية
الأحد 18/3/2007
د. ابراهيم زعير

العرب ينتظرون بشيء من التفاؤل, انعقاد القمة العربية التي ستحتضنها الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية في نهاية هذا الشهر.

ولهذا التفاؤل مشروعيته, وهو يعكس رغبة وآمال الشعوب العربية أن تساهم القمة في تجاوز محنة الانكسارات وخيبات الأمل المزمنة, وإعادة بريق الأمل للتضامن العربي الذي عز في عصر الخلافات الحادة بين الأشقاء العرب, الذين هم اليوم بأشد الحاجة للتعالي على كل ماقد يعمق الانشقاقات وما يتبعها من جراح مؤلمة لكل مواطن عربي مسؤولاً كان أم مواطناً عادياً. واستحضار التاريخ العربي بكل مايحمله من تجارب مريرة ودروس قاسية, ونجاحات رائعة يمكن أن يساعد في إحياء الذاكرة العربية, التي ترشدنا وتوقظ فينا الإحساس بالمسؤولية تجاه شعوبنا التي كانت تواجه الانكسارات والتراجع في كل مرة, وفي كل مرحلة كان فيها العرب منقسمين ومتصارعين فيما بينهم, بينما أعداؤهم يسارعون لتعميق الشروخ والخلافات ودفعهم إلى درجة المهاترات وحتى الوصول إلى حافة الاقتتال المميت, فيما لوحصل, رغم أنه حصل هناوهناك ولو على نطاقات ضيقة, ولو لم يتمكن العرب مجتمعين من محاصرة الانزلاقات الخطرة وتجاوزها, لما كان اليوم ثمة ما يمكن أن يجمعهم حتى لو بالحدود الدنيا التي يحتاجها الجميع دون استثناء.‏

وتأتي أهمية انعقاد القمة العربية اليوم ومشروعيتها, بأنها مدعوة لدراسة الواقع العربي بشكل جماعي ووضع الحلول الممكنة والواقعية لمجمل المشكلات التي تبدو مستعصية. والتي لايجوز السماح باستفحالها أكثر مماهي عليه, لأن استمرارها قد يقود إلى حالة من التدمير الذاتي, الذي تكمن عوامله وشروطه في خارج المنطقة العربية, ويسوق أما بشكل مباشر أو عن طريق وكلائه في داخل كل بلد عربي يعاني من أزمات مستفحلة وانشقاقات وخلافات شديدة الخطورة ليس فقط على كيان البلد العربي المعني بل وعلى مجمل البلدان العربية إن كانت قريبة أم بعيدة عن بؤرة التوتر وعدم الاستقرار.‏

ولم يعد خافياً على أحد أن العرب يتعرضون اليوم لأكبر مخطط استعماري صهيوني, هدفه المباشر تأجيج وافتعال النزاعات الداخلية على أسس طائفية وحتى مذهبية واثنية,ما يؤدي حكماً إلى إضعاف العرب ككل وتحويل دولهم القائمة اليوم إلى دويلات صغيرة وضعيفة يسهل على أعدائهم المتربصين بهم التحكم بهم وتحديد مصيرهم, وتمهيد المناخ المناسب للسيطرة عليهم, وتسخير كل مايملكونه من ثروات وقوى بشرية لخدمة مصالح الغرب الاستعماري وتحويلها إلى عامل قوة للمستعمرين الغربيين وخاصة الامبريالية الأميركية وحليفها الموثوق في المنطقة الكيان الصهيوني, مما يتيح لغربان البين هؤلاء من السير قدماً في فرض سياستهم القائمة على الهيمنة الكاملة على هذه المنطقة التي تشكل نقطة انطلاق للهيمنة الكونية الشاملة.‏

والقمة العربية القادمة, مدعوة اليوم أكثر من أي قت من الأوقات لصياغة الحلول الواقعية, أولاً لوضع حد للخلافات العربية واحترام توجهات وآراء كل بلد عربي, وفق المعايير التي تخدم مصالح الشعوب العربية, هذه المصالح المتعارضة جذرياً مع المصالح الأميركية والإسرائيلية التي تعمل على تفكيك المنطقة العربية بغض النظر عن الأنظمة الاجتماعية والسياسية القائمة فيها.‏

و من خلال هذا المنظور, فإن العرب بمجموعهم مستهدفون أميركياً وصهيونياً, وركائزهم في هذا البلد العربي أوذاك لا أكثر من أجير صغير لخدمة مصالحهم وينتهي مفعوله باستكمال دوره المنوط به, وعندما يفشل كما هو الحال في لبنان, فإنهم يلجؤون إلى الشتائم ويبدؤون يتقاطرون إلى واشنطن, طالبين المعونة العسكرية والسياسة محرضين على أبناء جلدتهم وعلى وطنهم ومقاومتهم الباسلة, فهؤلاء وبإيعاز من السفير فيلتمان, يعملون بكل مافي جعبتهم من أحقاد, لعرقلة التوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وفق صيغة ( لاغالب ولامغلوب) التي تتيح واقعياً العودة إلى روح التشاركية والتوافقية وفق اتفاق الطائف, ويعملون بأشكال مختلفة لعرقلة البوادر الايجابية التي أسفرت عنها لقاءات بري- الحريري مؤخراً, والتي فتحت الآفاق للاتفاق بين اللبنانيين, بوصفه الشرط الرئيسي لإعادة العافية والاستقرار للمجتمع اللبناني, ومما لاشك فيه أن القمة العربية ستعمل لتنقية الأجواء اللبنانية, لما فيه خير لبنان والعرب وستساعد على توحيد الكلمة بين معظم اللبنانيين, لدعم مقاومتهم الباسلة التي كان انتصارها على حرب إسرائيل العدوانية في تموز الماضي, انتصاراً على المشروع الأميركي الصهيوني(الشرق الأوسط الكبير أو الجديد) والمعادلة القائمة اليوم في المنطقة العربية تتمحور حول تجاوز الواقع العربي الممزق والتجاوب مع حالة النهوض التي رسختها المقاومة الوطنية في لبنان والعراق وفلسطين. وعلى الساقطين في مستنقع المشروع الأميركي الصهيوني في لبنان وغيره, أن يتذكروا دائماً أن التلاعب في المسائل الوطنية الأساسية ستنقلب عليهم وبالاً عاجلاً أم آجلاً, وهذا ما شهده التاريخ العربي غير مرة, والعظة لمن يتعظ!!.‏

وتأمل الشعوب العربية أن تساهم القمة في مساعدة الشعب العربي الفلسطيني المعذب في إعادة ترسيخ وحدته الوطنية وفق وثيقة الوفاق الوطني, واستعادة حقوق الفلسطينيين المغتصبة وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس والاصرار على حق العودة ووفق ماهو مقرر في قرارات الأمم المتحدة.‏

ومما لاشك فيه أن الوضع في العراق سيحظى باهتمام المؤتمرين في العراق, والمطالبة بإعادة الاستقرار والسلام والأمن لهذا البلد العربي المنكوب, الذي لايمكن أن يتعافى إلا بانسحاب الغزاة الأميركان من أرضه الطيبة وإيقاف ماترتكبه قوات الاحتلال الأميركي من مجازر جماعية بحق أبنائه. فالاحتلال الأميركي المسؤول الأساسي عما وصلت إليه الأوضاع المأساوية في العراق, والحل غير ممكن إلا بتحريره من برابرة العصر( الأميركان).‏

وإذا ما أخذت القمة العربية القادمة المبادرة لإيجاد الحلول لهذه المشكلات المستعصية, وفرملة الانزلاق نحو حروب الفتن الداخلية في هذ البلد العربي أو ذاك, فإن القمة ستشكل انجازاً حقيقياً في هذه المرحلة وهذا ما تطمح إليه الشعوب العربية بمجموعها!!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية