|
معاً على الطريق إنها ظاهرة طبيعية فيما نعتقد ولا تتعارض مع المنطق, لأن الذاكرة البشرية, تماثل بشكل أو بآخر, رفوف المكتبات. الذاكرة البشرية, من هذه الناحية, لا تسقط حدثاً يستحق أن يستعاد, جملة أو تفصيلا, في مناسبة ما تعيده إليها. وإذا كنا نحتفل هذه الأيام بذكرى ميلاد السيد المسيح, في أجواء من التوتر على مستوى المنطقة خاصة والعالم عامة, لابد أن يتبادر إلى أذهاننا أن ولادة السيد المسيح لم تكن حدثاً عادياً في تاريخ البشرية بعدما أشرقت على العالم أنوار معرفة أين الحق وأين الباطل? ولأن ولادة السيد المسيح جسدت إشراق النور في عالم من الجهل والضياع, كانت خطورة الحدث الذي قاد صاحبه, وليس أتباعه فقط, إلى السير على دروب الشوك, ما أدى به في نهاية المطاف إلى أيدي الطغاة من حكام ذلك الزمن البعيد, فكان الصلب إرضاء لأصحاب النوازع الشريرة, هؤلاء الذين صرخوا: اصلبه, اصلبه, دمه علينا وعلى أولادنا من بعدنا. إننا اليوم لسنا في معرض الحديث عن جريمة صلب السيد المسيح بل نحن في معرض الإشارة إلى أن ولادة السيد المسيح, كانت بمثابة بشرى للعالمين بأن خلاص الإنسان من شوائب الخطيئة تكمن في الولادة التي تكتسب هنا معنى أبعد من مجرد الولادة التقليدية التي يشهدها الملايين من البشر في مواقعهم كل يوم. الولادة هنا تكتسب معنى الاغتسال, وصولاً إلى راحة النفس واستعادة الصفاء في الذات الباحثة عن السعادة والطهارة. وفي هذه الذكرى, ذكرى ميلاد السيد المسيح, لابد أن تتنامى أمام ذاكراتنا البصرية صور الاستشهاد من أجل قضايانا العربية العادلة, في فلسطين بوجه خاص, حيث كانت ولادة المخلص, كما في بقية الأراضي العربية المحتلة بوجه عام. وإذا لم تكن الأدوات لدى أصحاب النوازع الشريرة على النحو الذي تجسدت أيام السيد المسيح, فإن عمليات القتل والتدمير والتهجير الذي نراه ينعكس أمامنا على شاشات التلفزيون على مدار ساعات الليل والنهار, لا تختلف, من حيث المبدأ عن قسوة جريمة الصلب, لأن ما يحمل الألم للإنسان, منذ أن كانت الجرائم سبيلاً لحرمانه من الحياة, حتى إذا اختلف شكلاً فإنه لا يختلف عنه من حيث المضمون. إن عملية الصلب التي تمت قبل أكثر من ألفي سنة, مستمرة في زماننا هذا, ولكن مع اختلاف الأدوات التي تستخدم اليوم على أيدي الصهاينة في أراضينا العربية المحتلة, بمعنى الاختلاف في الشكل, ولكن تبقى النتيجة واحدة. وفي ذكرى ميلاد السيد المسيح, تعلو صلواتنا, في كنائسنا وفي مساجدنا أن يجنب وطننا, شعباً وقائداً, حاضراً ومستقبلاً, مخاطر ما يحاك من حولنا للنيل من وطننا وذلك تحت سمع وبصر من يصورون أنفسهم بأنهم المخلصون الجدد للبشرية, بل ويزيدون من غلوائهم بالقول إنهم يسيرون على درب الوحي الذي يأتيهم من السماء! إننا في الذكرى التي نحتفل بها اليوم, أيضاً من أجل هؤلاء الجدد نصلي كي تهديهم السماء للوقوف أمام أنفسهم, لأن في مثل هذه الوقفة تتكشف لأنفسهم قبل غيرهم حقيقة ما يضمرون وبذلك لا يبحثون عن وسائل خداع الغير. ولكن تراهم يفعلون? أم أنهم يريدون لشهوة الدم أن تتجدد في نفوسهم وفي عقولهم مع طلوع الشمس كل صباح? |
|