|
حديث الناس غير أننا نكتشف بعض الامتعاض والتأفف أو كثيره, مع حلول أي مشروع للتغيير في أي مؤسسة أو قطاع ومع أي إدارة جديدة لهذه أو ذاك, ثم لا نلبث أن نكتشف أيضاً أن الإجماع إياه يقف عند حدود الدفع باتجاه تغيير القائم ولا يتعداه إلى قبول البدائل, فطرائق العمل الجديدة مرفوضة وموضع انزعاج لأن أصحابها ليسوا من أصحاب الياقات البيضاء التقليديين, الذين اعتدنا رؤيتهم وسماعهم رغم كل ما أورثونا إياه من السأم والضجر, لاسيما عندما تتصل تلك الطرائق بإعادة الهيكلة وتقييم العاملين, وكما لو أن التغيير ينبغي أن يعني مزيداً من الحقوق والمكتسبات لمن يستحق ومن لا يستحق, ولا ينبغي أن يعني مزيداً من الواجبات والتضحيات, والإدارات الجديدة تصير موضع تهكم وعزوف عن التعاون معها فقط لأنها غير مختبرة من قبل, أو لأنها لا تنتمي إلى جيل الإدارات التي اعتادت النعاس والنوم على كرسيها لعشرين عاماً أو أكثر, والتي تسبب الكثير منها بما نحن فيه من فساد وترهل. صحيح أن الجديد دائماً مجهول وموضع شك واختبار, إلا أن الموقف السلبي من التغيير لا يستند إلى مثل هذه الجوانب النفسية فقط, ولا إلى منطق تفضيل الأخذ على العطاء فحسب عند الناس عموماً, بل إلى مفارقة مريرة تنشأ عادة بين المادة المقاسة وأداة القياس, تماماً كما نستعمل السنتيمتر لقياس المواد الإبداعية في صحافتنا وتحويل المساحة إلى مال, فكيف يستقيم القياس? وإذا كانت نسبية اينشتاين قد حطمت القواعد المطلقة في العلم بواسطة الارتياب وجعلت من الواحد زائد واحد لا يساوي اثنين إلا بالضرورة الفلسفية النظرية, رغم أن العلم هو سيروة المختبر والشروط الثابتة والمثالية, فالأحرى بنا في التجربة الاجتماعية التي يشكل التغيير أو التحديث أحد نماذجها, والتي تتناهبها عادة التغييرات المستمرة ويتدخل فيها الوعي والإدراك بكل تفاوتاتهما كما المزاج الشخصي والمواقف المسبقة, أن نعمد, ليس إلى الاكتفاء بتحطيم أدوات القياس المتكلسة في أذهاننا فحسب, بل وإلى بناء أو الأخذ بأدوات جديدة للقياس ترتقي كل الشروط التقليدية والصنمية, تلك التي أعجزتنا وعجزت معنا. هل حان الوقت لندرك أن بناء جديداً يستدعي, أحياناً وبالضرورة, هدم آخر قديم, وأن الخروج عن المألوف هو أحد ملامح التغيير بعينه, وإلا فكيف يكون تغييراً, وأن الجديد هو الجديد وكفى, ليس هو من يراه قديمنا أو يوافق على إنتاجه, فالعجز عاجز عن إنتاج الاقتدار!! |
|