|
معاً على الطريق وبأن المستقبل يمكن أن يكون أفضل من الحاضر. على هذا النحو عاتب (بيل غيتس) صاحب شركة مايكروسوفت لبرامج الكمبيوتر, منذ فترة قريبة, الدول الغنية كونها تتقاعس في أداء واجبها تجاه الدول الفقيرة والنامية حول تقديم العون المالي لها لمواجهة الأوبئة التي تجتاحها, وما قد يستتبع ذلك من كوارث إنسانية. وفي هذا السياق أعلن بيل تبرعه بمبلغ 450 مليون دولار, لمصلحة الأبحاث الطبية في دول العالم النامي. وبطبيعة الحال فإن موقفاً كهذا, ولا نقول مجرد نبأ كهذا, لابد أن يثير في نفس القارئ ما يستدعي السؤال: لماذا لا يسعى آخرون أيضاً قد لا تقلّ ثرواتهم عن ثروة بيل غيتس لمساعدة مراكز الأبحاث الطبية في دول العالم الثالث, سواء كانت نامية أم تحت سقف الفقر, حرصاً على نظافة الكون من الأوبئة التي تقتل الناس, على غرار وباء السيدا أو السل أو السرطان وما يندرج تحت عناوين مماثلة, لماذا? إن مؤسسة غيتس, بموقفها هذا, بكل تأكيد, لا تبحث عن شهرة فوق شهرتها, ولا تسعى لنيل جائزة دولية أو شهادة تقدير كما تسعى إلى ذلك بعض المؤسسات في أحيان كثيرة. إنها, بموقفها هذا, تسعى لإيقاظ الضمير في الإنسان بغض النظر عن العرق الذي ينتمي إليه أو المعتقد الذي يدين به, ولأن مجرد أن يتخطى الإنسان هذه المعادلات - ولا نقول إنها العنصرية - يحقق الغاية من سيره على الدرب باتجاه الآخر, مهما كان هذا الآخر بعيداً عنه, ومهما كانت جنسيته. إن العلاقة بين الإنسان وضميره, حين تتجاوز الذات إلى ما وراءها, تغدو رسالة أو شبه رسالة, يحقق الإنسان, من خلالها, حضوره في المجالات الأرحب من البيئة التي ينتمي إليها بحكم الولادة أو المعايشة, وبذلك فقط يكون جديراً بأن يحكي التاريخ عن أفعاله وليس فقط عن أقواله. بهذه الرؤية, يمكن لأحدنا أن يصدر حكمه ال (مع) أو ال (ضد) تجاه من يملك ويرى من هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية, أو من يملك ولا يرى من هم بحاجة إلى مثل هذه المساعدات, مهما كانت متواضعة, لدعم أبحاث علمية هدفها, بالدرجة الأولى, إبعاد شبح المرض عن الإنسان, لأن المرض, بحد ذاته, عائق لابد من إزالته وصولاً إلى مجتمع يتمتع بالجسم السليم كي يتمتع بالعقل السليم. إن وقفتي مع هذا المتبرع أو ذاك ممن يؤمنون بالعطاء رسالة إنسانية يؤدونها من تلقاء أنفسهم, كونها جاءت نبأ لافتاً للانتباه في زحمة التسابق على اكتناز المال كأي هواية يمارسها إنسان هذا العصر, خاصة أننا قرأناه في مناسبة انعقاد جلسة كانت أعدت لها منظمة الصحة العالمية في مدينة جنيف السويسرية مؤخراً. من هنا كانت الإشارة إلى مؤسسة بعينها, وإلى شخص بعينه. ومن هنا كان العنوان حول أوبئة تنتظر أموالاً, وأيضاً كانت الإشارة إلى إمكانية يقظة ضمير هنا أو هناك, كي نشعر بأن الدنيا, على رغم وجود ما لا يحصى من حملة الضمائر الميتة من حولنا, على وقع الأحداث التي نعيشها في أيامنا هذه, ما زالت بخير. ولكن ترانا نبالغ في تفاؤلنا? |
|