تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الاتحاد الأوروبي وسورية: شراكة استراتيجية

اقتصاد
الاحد 18/12/2005م
إعداد: الدائرة الاقتصادية

احتفلت أوروبا عام 2005 بعيدها الستين منذ أن وضعت الحرب الأوروبية الكبرى الأخيرة أوزارها , و بانبثاق الحلم الأوروبي من تلك التجربة المروّعة, هذا الحلم الذي هو شكل جديد من الشراكة الأوروبية المتوسطية

التي تعدّ سورية عضواً هاماً فيها و التي تمهّد الطريق أمام فترة لا سابق لها من السلم و الحوار و التعاون عبر حوض المتوسط. يعيش 450 مليون مواطن ضمن حدود المجموعة الأوروبية الجديدة ذات الناتج المحلي الإجمالي الأكبر عالمياً, و قد باتت المجموعة الأوروبية الكتلة التجارية الأوسع ذات المستقبل المزدهر و المشترك عبر التعاون مع جيرانها.‏

يمثّل الاتحاد الأوروبي اليوم إطار عمل من التعاون الاقتصادي و السياسي بين الدول الأوروبية الأعضاء الخمس و العشرين, بعد أن كان عدد أعضائه 15 و ذلك في 1 أيار 2004 و يهدف إلى ترويج التطور الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي و تمثيل مصالح الاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية. تمثّل بلدان الاتحاد الأوروبي مجتمعةً ربع التجارة العالمية تقريباً و أكثر من نصف المساعدات الخارجية و التنموية في العالم.‏

الدردري: * يستطيع الاتحاد الأوروبي دعم منظومة الإصلاح‏

وتحسين نظام الضمان الاجتماعي والصحي‏

* مهتمون بالشراكة مع أوروبا وبتنفيذ‏

متطلباتها خاصة في مجال تحديث التشريعات‏

في مقابلة سابقة مع السيد عبد الله الدردري نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادبة‏

* حيث أننا نحتفل بالذكرى العاشرة لعملية برشلونة, كيف تنظرون إلى اتفاقية الشراكة الأوربية المتوسطية , وما تعنيه لسورية ?‏

** كما تعلمون أن سورية وقعت بالأحرف الأولى على اتفاقية الشراكة السورية الأوربية في بروكسل بتاريخ 19/10/2004 هذه الاتفاقية التي تساهم بدفع كبير لمسيرة الديمقراطية والسلام وحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية والشرق الأوسط فنحن مقتنعون أن هذه الشراكة ستجعل من سورية شريكاً حقيقياً لأوربا.‏

في الواقع إن ثقافة الشراكة عندنا والموروثة منذ قرون تسمح لنا أن نقيم شراكة حقيقية وفي جميع مجالات الحياة مشدداً في هذا المجال إلى أن وجود أوربا إلى جانب سورية له أهميته البالغة وهو ضروري فمن خلاله نستطيع مضاعفة العمل في إطار عملية الإصلاح الاقتصادي التي تنتهجها الحكومة السورية.‏

واتفاقية الشراكة السورية الأوربية تشكل منبراً للحوار بين سورية والاتحاد الأوربي فيما يتعلق بقضايا الأمن والسلام وأسلحة الدمار الشامل ووسائل تخليص الشرق الأوسط من نقمتها.‏

إذا هذه الاتفاقية ستساهم في خلق بيئة ملائمة لمزيد من تطوير علاقاتها الاقتصادية بصورة خاصة في مجالات التجارة والاستثمار والتحديث التكنولوجيا والتعاون بما في ذلك إعادة الهيكلة الاقتصادية الملائمة, وتشكل مدخلاً هاماً من مداخل الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في سورية ولاندماجها في الاقتصاد العالمي .‏

* ماهي النجاحات لسورية التي ستؤكدون عليها في إطار الشراكة و في أي مجالات ترغبون رؤية التطورات ?‏

** كما قلت فإن الشراكة تشكل عامل دفع قوي للتسريع في برنامج الإصلاح السوري .كي تستطيع سورية الإيفاء بمتطلبات الشراكة , و هذا يتطلب إجراءات تشريعية وثانوية و إدارية و مؤسساتية لتحسين بيئة الأعمال و بما يتوافق مع حاجات منطقة التجارة الحرة , و تحديث و دعم الاستثمارات , ووضع السياسات الاقتصادية الكلية المناسبة , و بالتالي رفع القدرات المؤسساتية و البشرية السورية في مجالات التجارة , و الخدمات , و التنافسية , و الملكية الفكرية و الصناعية 0‏

ونأمل بأن تكون اتفاقية الشراكة حافزاً قوياً لتوسيع الاستثمارات في قطاعات التنمية البشرية والصناعة التحويلية والصناعة السياحية والمالية والبحث العلمي ونقل وتوطين التكنولوجيا وتحسين المناخ الاستثماري وتطوير السياسات الكلية باتجاه تحسين توزيع الدخل .‏

وقد تم خلال الفترة الماضية منذ التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقية الشراكة في تشرين الأول 2004 إدخال ثقافة الشراكة ومفاهيمها وإجراءاتها في سورية حتى قبل التوقيع النهائي وقد ظهر ذلك في مجالات عدة نذكر منها الإصلاح الاقتصادي والتطوير التشريعي وتطوير القطاع الخاص وتحرير التجارة والاستثمار وتحديد وتطوير النظام المالي والمصرفي,لتأخذ في الاعتبار متطلبات الشراكة .‏

* لقد كانت الشراكة بمثابة وسيلة ليعمل كل من الاتحاد والأوربي وسورية في عدة مشاريع مشتركة لدعم عملية الإصلاح التي تقوم بها الحكومة السورية , ماهي المجالات التي تودون رؤيتها تحظى بدعم أكبر في السنوات العشر القادمة / أو ما هي الأولويات المباشرة للحكومة السورية ?‏

** يتم الآن وضع اللمسات الأخيرة على الخطة الخمسية العاشرة قبل تقديمها إلى مجلس الشعب السوري و نشير إلى أن هذه الخطة قد بنيت على تحليل نقاط القوة و الضعف في السياسات الاقتصادية , و المؤسساتية , و التشريعية , والإدارية , و من ثم دراسة القطاعات المختلفة و مساهمتها في النمو الاقتصادي و صياغة السياسات و تحديد مقترحات المشاريع الاستثمارية 0 و من هنا فإن هذه الخطة تشكل وثيقة مرجعية للمجالات الضرورية للتعاون من خلال الفترة القادمة , و لكن لابد هنا من التركيز على أهمية إصلاح الإدارة العامة , و بناء الهيكلة المؤسسية التي تتطلب جهوداً كبيرة و طويلة الأمد و تطويراً للمؤسسات الاختصاصية و يمكن أن تكون هذه الموضوعات إطاراً عاماً لأولويات الحكومة السورية و نذكر بأن استراتيجية التعاون مع الاتحاد الأوروبي للأعوام 2007-2013 قيد التنفيذ الآن(country strategy paper) , و هي تشكل إضافة إلى ما ورد في البرنامج الوطني التأشيري لعامي 2005-2006 مجموعة الأولويات المنبثقة عنها مع الجانب الأوروبي للدعم خلال المرحلة القادمة.‏

* بصفتكم رئيس هيئة تخطيط الدولة و الآن نائب رئيس مجلس الوزراء ,كان لديكم علاقات كثيرة متبادلة مع الاتحاد الأوربي نيابة عن الحكومة السورية كيف ترون علاقات العمل القائمة بين سورية والاتحاد الأوروبي ?‏

** إن العلاقة ما بين الاتحاد الأوربي وسورية علاقة مبنية على الثقة والاحترام المتبادل بين الطرفين فقد تطورت العلاقات الثنائية في إطار عملية برشلونة و من خلال تنفيذ برنامج ميدا , و نتوقع أن التوقيع على اتفاقية الشراكة و دخولها ضمن التنفيذ سيوطد هذه العلاقات حيث ترتكز هذه العلاقة على المعاملة بالمثل و الشراكة والتنمية المشتركة والحوار المنتظم في المسائل الاقتصادية والعلمية والبيئية والتقنية والاجتماعية والثقافية بهدف تطوير الاقتصاد السوري وزيادة تفاعله مع الاقتصاد العالمي وتعاونه في هذا المجال مع المجموعة ودولها الأعضاء. وكذلك الأمر فإن هذه العلاقات سيتم تقويتها و دعمها أكثر من خلال تنفيذ سياسة الجوار الأوروبي طبعاً هذا على الجانب الرسمي 0‏

أما من حيث العلاقات مع الأفراد فنحن نلمس كل الاهتمام و المتابعة و الجدية في تقديم المساعدات التي تحتاجها سورية من قبل العاملين في سفارة المفوضية الأوروبية بدمشق و من المسؤولين الذين التقيناهم من مقر المفوضية و الاتحاد الأوروبي 0 و نأمل في أن تستمر العلاقات على هذا المستوى 0‏

* إن مشاركة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية ككل قد تزايد بشكل تدريجي في العقود الماضية و الآن يفوق نسبة 60% من الناتج الإجمالي الوطني في سوريا ,كيف تقيمون دور الاتحاد الأوربي في مساعدة سورية بالانتقال من الاقتصاد العام إلى اقتصاد السوق الاجتماعي?‏

** كما تعلمون إن المرتكزات الأساسية للخطة الخمسية العاشرة في سوريا تقوم على عدة أمور أهمها:‏

1 - رفع معدلات النمو الاقتصادي وتحقيق الكفاءة الاقتصادية القصوى‏

2- تحقيق العدالة الاجتماعية وعدالة التوزيع والتنمية البشرية‏

3- ضمان الاستدامة البيئية‏

4- تحقيق الأمن القومي‏

في ظل :‏

1- قطاع خاص نشيط ومنفتح ينمي النشاط الاستثماري الإنتاجي.‏

2- قطاع عام قوي قادر على المنافسة ضمن آلية السوق يتمتع بحرية المبادرة والمرونة الكافية .‏

3- قطاع أهلي يتطور عمله من العمل الخيري إلى العمل التنموي .‏

ومن هنا نلحظ مشاركة القطاع الخاص بعملية التنمية الاقتصادية من خلال عدة أدوار :‏

1- إعادة هيكلية شركاته من خلال رفع الكفاءة الإدارية.‏

2- تطوير وتحسين القدرات التنافسية .‏

3- تعزيز الإمكانيات البشرية تدريباً وتأهيلا واستثمار الحاضنات التكنولوجية.‏

4- رعاية الإبداع وتشجيع المبادرات والمبتكرات والاستثمار في البحث العلمي.‏

5- رفع الكفاءة التسويقية من خلال الاستثمار في القطاعات الداعمة للتسويق .‏

إن الاتحاد الأوربي يستطيع المساعدة في عملية تحول سورية من اقتصاد عام إلى اقتصاد السوق الاجتماعي وذلك من خلال دعم تطبيق أهداف الخطة الخمسية العاشرة ( التي أصبحت الآن جاهزة) المتوافقة أصلا مع أهداف ومضامين اتفاقية الشراكة السورية الأوربية في العديد من الأمور نذكر منها‏

مواضيع التنمية الاقتصادية المستدامة حيث راعت اتفاقية الشراكة شروط التحرير التدريجي للتجارة والخدمات بما يتلاءم مع خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية, لتجنب الاقتصاد السوري الوقوع في فوضى اقتصادية يمكن أن تنتج عن التحرير الفوري .‏

وكذلك هدف الخطة الخمسية خلق فرص عمل وهذا ما تدعمه اتفاقية الشراكة في الباب السادس الخاص بالتعاون الاقتصادي حيث تنص على الاستثمار في مختلف المجالات كالسياحة والنقل والطاقة والمعلوماتية والزراعة والخدمات .‏

وكذلك هدف الخطة الخمسية العاشرة رفع إنتاجية عوامل الإنتاج ,وهذا ملحوظ في اتفاقية الشراكة التي تهدف إلى الاستثمار المكثف في رأس المال البشري سواء عبر دعم إصلاح منظومة التعليم والتدريب أو تحسين المستوى الصحي وتعزيز دور المرأة.‏

وكذلك هدف الخطة الخمسية العاشرة تخفيف الفقر فالشراكة تؤدي إلى تحسين نظام الضمان الاجتماعي ونظام الرعاية الصحية , وتحسين الظروف المعيشية في المناطق الأقل تخديماً والمكتظة بالسكان وتشجيع المشاريع الصغيرة في الريف وتحقيق التنمية الريفية المتكاملة بما في ذلك تحسين الخدمات وتطوير النشاطات الاقتصادية المرتبطة بها .... الخ .‏

فكلها أمور يستطيع الاتحاد الأوربي المساعدة بها تحقيقاً لأهداف الشراكة وبالتالي الوصول بالاقتصاد السوري إلى اقتصاد السوق الاجتماعي .‏

* حيث أن سورية تقوم بإصلاح النظام الجمركي لديها , فان البرنامج الجديد الممول من الاتحاد الأوربي لتحديث وزارة المالية سيساعد على إصلاح قوانينها الجمركية وإجراءاتها وبالتالي يسهل تحضير سوريا لمنطقة تجارة حرة أوربية متوسطية ,إلى أي مدى تعتقدون بجاهزية سورية لعام 2010? وما هي المساعدة التي تتوقعونها من الاتحاد الأوروبي ?‏

** وفقاً لاتفاق برشلونة فقد تم تحديد عام 2010 لدخول منطقة التجارة الحرة حيز التنفيذ , ولكن بالنسبة لوضع سورية , فإنه قد تم التوقيع حتى الآن بالأحرف الأولى على اتفاقية الشراكة والتي تنص على أن يتم التفكيك التدريجي للجمارك على مدى /12/ سنة وفق لائحة المواد المنصوص عنها بالاتفاقية 0 ونحن نسعى ما بوسعنا لحرق المراحل والإسراع في الإجراءات لخلق الاستعداد الكامل الذي يمكننا من تنفيذ هذه الاتفاقية 0 ونتوقع من الاتحاد الأوربي تقديم المساعدات الفنية والخبرات اللازمة لمساعدة السلطات السورية المعنية بتنفيذ اتفاقية الشراكة في تحضير وتنفيذ الإجراءات التشريعية والإدارية والإجراءات الأخرى لمواجهة متطلبات منطقة التجارة الحرة ومنها بالطبع تسهيل وموائمة إجراءات الجمارك , وتقديم المساعدة للمصدرين من خلال توفير معلومات عن الأسواق الأوربية والأسواق الأخرى 0وإقامة المؤسسات المعنية بالتنافسية , وحماية الملكية الفكرية والصناعية ورفع القدرات الإدارية في المؤسسات المعنية بذلك , وقد قامت سورية بإجراءات وخطوات واسعة في هذا المجال مثل إلغاء التقييد والحصر لاستيراد بعض السلع , والسماح للقطاع الخاص القيام بذلك ,والسماح بفتح المصارف الخاصة ,والسماح لشركات التأمين العالمية بالعمل في السوق السوري, إصدار قانون تشجيع الاستثمار والسماح بالتحويل للأرباح بتحويل رأس مال المشروع بالعملات التي استثمر فيها ,تمويل المستوردات للقطاع الخاص عن طريق المصارف المحلية دون شروط.‏

* لماذا تهتم سورية باتفاقية الشراكة كجزء من عملية برشلونة ?‏

** إن سورية بما تحمله من قيم إنسانية و حضارية و تاريخية في هذه المنطقة من العالم تسعى دائماً إلى تعزيز و تقوية الروابط المختلفة مع دول الجوار الشقيقة و الصديقة , و تعزيز أسس السلام و العلاقات القائمة على الاحترام المتبادل و تحقيق الشرعية الدولية , و قد كانت هذه المنطلقات الأساس لعملية برشلونة لذلك فقد شاركت سورية بها و التزمت بمقرراتها 0و توفر اتفاقية الشراكة الإطار القانوني للعمل المشترك لتحقيق البنية المناسبة و الضرورية لتنفيذ هذه الالتزامات.‏

وحتى قبل توقيع الاتفاقية فقد عرفنا وبدأنا العمل على تغييرات السياسة القانونية والتشريعية المؤسساتية والإدارية والضرورية لتلبية احتياجات تنفيذ الاتفاقية من خلال تشكيل فرق فنية متخصصة بشؤون الشراكة مهمتها العمل على تحديث التشريعات السورية بما يتلاءم مع متطلبات اتفاقية الشراكة السورية الأوربية .‏

د هيسكه:‏

لسورية دور مهم في سلم‏

المنطقة واستقرارها‏

وإمكاناتها التنموية كبيرة‏

مقابلة مع السيد ( فرانك هيسكه ) رئيس بعثة المفوضية الأوروبية إلى سورية?ا‏

* كيف تصف التعاون بين سورية و الاتحاد الأوروبي?‏

** حقق التعاون بين سورية و الاتحاد الأوروبي نتائج لافتة على مرّ السنين و لا سيما منذ عام 1995, عندما مهّد مؤتمر برشلونة الطريق أمام الشراكة الأوروبية المتوسطية. و مؤخراً, دعم هذا التعاون إصلاحات الحكومة السورية في القطاع الاقتصادي و الاجتماعي و الإداري, كما أنه يتناول مجالات هامة كحقوق الإنسان.‏

بعثة المفوضية الأوروبية إلى سورية مسؤولة حالياً على نحو مباشر عن حقيبة مشاريع ثنائية بين سورية و الاتحاد الأوروبي بقيمة 252 مليون يورو, و تشمل هذه المشاريع مجالات حيوية كالطاقة و الصحة و الموارد البشرية و الصناعات الخاصة. كما زادت البعثة نشاطاتها ضمن إطار برنامج مرفق التحديث القطاعي و المؤسساتي بتأمين التدريب و المساعدة الفنية للحكومة السورية تحضيراً للخطة الخمسية العاشرة (2006-2010).‏

لقد قطعنا شوطاً هاماً في هذه المجالات عبر تعاوننا معاً, و قد كان الحوار مكثفاً و هذا ما ينطبق على جهودنا المشتركة الساعية إلى تنفيذ مشاريعنا و برامجنا التي تتناول مسائل أساسية كقطاع الصحة و التعليم و الصناعة.‏

* ما هي المجالات التي تجد أن ثمة إمكانية لتحسينها في إطار العلاقات بين سورية و الاتحاد الأوروبي?‏

** أعتقد أن بإمكاننا القيام بالمزيد على صعيد التعاون. أود هنا أن أشير إلى أهمية المشاريع الإقليمية التي تجسّد عنصراً أساسياً في برنامج الميدا. فالتعاون الإقليمي هو مقاربة مبتكرة تبنّتها عملية برشلونة و تتناول تناولاً مباشراً المشاكل المشتركة بين الكثير من الشركاء المتوسطيين, كما تأخذ في عين الاعتبار المكمّلات الوطنية أيضاً.‏

لقد ازدادت مشاركة سورية في المشاريع الإقليمية لكنّ المجال متاح أمام المزيد من المشاركة أيضاً حتى تتمكن من الاستفادة من هذا المورد الإضافي من المساعدات على نحو كامل. هذا و ستسمح المشاركة الأكبر لسورية بالاستفادة أكثر أيضاً من الفوائد الاقتصادية و الفنية المتزامنة مع توثيق أواصر العلاقات بين البلدان عبر التعاون و إحلال الاستقرار و الازدهار المشترك في حوض المتوسط.‏

* ما هو موقع سورية في الشراكة الأوروبية المتوسطية?‏

** سورية شريك هام في المنطقة و لا سيما لما يتّسم به مجتمعها من تسامح ديني. إن التعايش السلمي السائد بين مختلف الأعراق و الثقافات فيها يجعل من هذا البلد مثالاً يحتذى.‏

هذا ما تتّسم به الثقافة السورية كما أنه ينطبق على أهداف الشراكة الأوروبية المتوسطية. أما على الصعيد الاقتصادي, فإن سورية تتمتّع بإمكانات تنموية كبيرة, لذا تعدّ عنصراًً هاماً في المنطقة على صعيد السلم و الازدهار و الاستقرار و النمو.‏

* كيف يستطيع الاتحاد الأوروبي دعم القطاع السوري الخاص في إطار اقتصاد السوق الاجتماعي المعلن?‏

** يؤمّن الاتحاد الأوروبي سلفاً لسورية أدوات أساسية بغية مساعدة القطاع الخاص فيها. و أذكر على سبيل المثال مركز الأعمال السوري الأوروبيSEBC , و هو برنامج بدأ قبل عشرة أعوام تقريباً, و يؤمّن الدعم الاقتصادي لقرابة 3500 شركة سورية كما يساعد في تأهيل أكثر من 2500 موظف لتسلّم مناصب أعلى في مشاريع و مؤسسات متنوعة محلية كثيرة. ستراجع بعثة المفوضية الأوروبية أداء مركز الأعمال السوري الأوروبي لمساعدته في تأدية دور أكبر في تطوير التعاون الاقتصادي بين سورية و الاتحاد الأوروبي. كما سيصار إلى تأسيس مركز جديد يدعى )المركز السوري للمشاريع و الأعمال( في القريب العاجل. سيؤدي هذا المركز دوراً حيوياً في تطوير الشركات و المؤسسات الخاصة و العامة كافة في سورية, بمساعدتها في خلق فرص عمل جديدة و زيادة إنتاجها و تبادلها التجاري مع نظيرتها الأوروبية على نحو خاص.‏

* بما أن المنطقة تخطو نحو تنفيذ منطقة التجارة الحرة ضمن منطقة الشراكة الأوروبية المتوسطية, ما هو موقع سورية في هذه المرحلة ضمن هذا التوجّه?‏

**من المتوقع أن يتم تنفيذ منطقة التجارة الحرة تدريجياً في سورية لإتاحة المجال لانتقال سلس من الاقتصاد مخطط الأسس إلى الاقتصاد المفتوح. ساهم تخفيض الرسوم الجمركية التدريجي سلفاً في تخفيض أسعار السلع المستوردة إلى سورية. و على سبيل المثال, تم تخفيض التعرفة الجمركية المفروضة على السيارات على نحو كبير. في الوقت ذاته, ما زالت سورية تتمتع بمتاحية الوصول إلى السوق الأوروبية على نحو كامل من أجل منتجاتها الصناعية. يؤدي هذا الأمر إلى خلق فرص هائلة بيد أنه من ناحية أخرى يفرض تحديات جديدة على الاقتصاد المحلي. ضماناً لانتقال سلس, طرحت سورية و المفوضية الأوروبية مشروعاً قيمته 8 ملايين يورو لتحديث وزارة المالية. سيساعد هذا البرنامج في تطوير الإدارة الضريبية و الإصلاح المالي العام و إصلاح المحاسبة, كما سيجعل الإجراءات و الأنظمة الجمركية مطابقة لمعايير الاتحاد الأوروبي.‏

يهدف المشروع إلى تحسين دور الحكومة السورية في الاقتصاد. سيتم تحديث النظام الضريبي و توجيهه بمقتضى اقتصاد السوق الاجتماعي. بيد أن التعاون بين سورية و الاتحاد الأوروبي لا يقتصر على الاقتصاد و حسب, بل يشمل كلاً من الثقافة و المجتمع و الإدارة. و في هذا المجال الأخير, سيؤدي برنامج تحديث الإدارة البلدية دوراً هاماً في مساعدة البلديات المحلية في تحسين إدارة المدن السورية الكبرى. يجب ألا ننسى أن 52% من سكان سورية يعيشون في المدن و أن معدل النمو السنوي مرتفع جداً, 2.5%. تشكّل شريحة من هم دون الخامسة عشرة من العمر 40% من العدد الكلي للسكان, ما يرفع عدد الوافدين إلى سوق العمل و التوظيف. إلا أن الفرص الوظيفية محدودة في المناطق الريفية لذا ينتقلون إلى المدن, ما يفضي إلى زيادة عدد سكانها بسرعة. و نتيجةً لذلك, يزداد اتساع المدن و البلدات الكبرى بسرعة كبيرة فارضاً تحدياً هائلاً على الإدارات المحلية العاجزة عن تلبية الاحتياجات بمواردها المالية و قدراتها الإدارية, فينجم عن هذا تقصير في تأمين بعض الخدمات الأساسية أحياناً. سيساعد مشروع MAM البلديات المستهدفة في تحسين إدارتها الإدارية و المالية لتمكينها من تلبية التزاماتها الحالية و المستقبلية إزاء المواطنين على نحو أفضل. و إن تحسين فعالية التخطيط المدني و نوعيته سيسهل على الناس الحصول على الأراضي لبناء المساكن. أما فيما يتعلق بالسكان الأصغر سناً, فثمة نشاطات هامة أيضاً كمشروع التعليم و التدريب المهنيين الذي يموّله الاتحاد الأوروبي و قيمته 21 مليون يورو, و سيساعد في صقل المهارات الوظيفية لدى الشباب الموهوبين.‏

* ما هي المصالح التي يتوخاها الاتحاد الأوروبي من الشراكة الأوروبية المتوسطية?‏

** جوهر الشراكة و التعاون هو العمل المشترك و الوثيق و الفعال الساعي إلى النجاح في التوصل بالإجماع إلى أساس مشترك و قيم أساسية مشتركة. إن أهداف الشراكة كالأمن و الاستقرار و الازدهار المشترك و التفاهم الأعمق بين الثقافات ستؤدي في نهاية المطاف ليس إلى تحسين حياتنا و حسب, بل ربما إلى ما هو أفضل من هذا, تحسين حياة أطفالنا.‏

إن تحسين نوعية و أهمية التعليم و التدريب المهنيين لتأمين حاجات الاقتصاد السوري على نحو أفضل, و برنامج ) تمبوس ) بما يهدف إليه من تحسين نوعية التعليم العالي عبر التعاون ما بين الجامعات الأوروبية و السورية. نحن نشارك الحكومة السورية اهتمامها بموضوع تنمية الموارد البشرية كما عزونا لهذا الأمر الأولوية ضمن تعاوننا. و على سبيل المثال أذكر أننا نحضّر حالياً مشروعاً جديداً لدعم الإصلاح في قطاع التعليم العالي.‏

بما أننا نحتفل حالياً بالذكرى السنوية العاشرة لبرشلونة, فإن العلاقة بين البلدان الأوروبية و المتوسطية قد تطورت من علاقة مساعدات إلى علاقة شراكة. و أما ما بعد التعاون الذي ازداد معدله على نحو ملحوظ , فقد وطدت هذه الشراكة المنبر الوحيد للحوار السياسي في المنطقة حيث تستطيع البلدان المتوسطية جميعها أن تتحاور معاً, كما وطدت هدفاً طموحاً هو تأسيس منطقة التجارة الحرة بحلول عام 2010. بتاريخ 27 و 28 تشرين الثاني 2005, جدّد قادة الشراكة الأوروبية المتوسطية التزامهم بهدف إيجاد منطقة مشتركة يسود فيها السلم و الاستقرار و الازدهار عبر استمرار كل من الحوار و التبادل و التعاون.‏

قال رئيس المفوضية الأوروبية ) باروزو( إن حوض المتوسط يمثّل أولوية أساسية بالنسبة إلى أوروبة.‏

الاتحاد الأوروبي و بلدان المتوسط يشتركان بميراث واحد و هو ليس ميراثاً تاريخياً و ثقافياً و حسب, إنه البحر الأبيض المتوسط . إن القرار الذي تم اتخاذه قبل بضعة أيام في مؤتمر قمة برشلونة بوضع خطة عمل من أجل تخليص المتوسط من التلوث بحلول عام 2020 إنما هو خبر سار جداً, كما يؤكد أهمية الشراكة و يظهر أنها فعلاً أداة مفيدة للعمل معاً في مسائل أساسية تؤثّر في جانبي المتوسط على حد سواء.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية