تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قصص

ملحق ثقافي
22/12/2009
عمران عزالدين أحمد

ماذا جرى لـ جميلة.؟!

فجأةً انقطعت أخبار جميلة عن حارتنا، وتحطم شيء صغير في قلبي.‏

لَزِمتْ المنزل، ولم تعد تبرحه إلا لماماً، في المناسبات غالباً وبصحبة والدتها، حتى أنني لم أعد أميزها عن هذه الأخيرة، كانت ترتدي مثلها الجلباب وتستر وجهها.‏

ضقتُ ذرعاً، كنتُ قلقاً، ألوبُ الغرفةَ ـ كأن الريح تحتي ـ لكي أسترق من النافذة نظرة على باب بيتهم... لكن عبثاً.!‏

سألتُ والدتي ـ ذات يأس قاتل ـ عن هذا الأمر، عن تمنع جميلة اللعبَ معي في الشارع والتنزه بدراجتي.؟‏

رَدّت عليّ وهي تردعني قائلة:‏

عيب يا ولد.. لقد كبرت البنت.!‏

لكنني ما زلتُ ألعب في الشارع.؟!‏

أنت ولد، أما هي فـ بنت.‏

وما الفرق.؟!!‏

انصرفْ فوراً.. إذا سمع والدك ما تتفوه به من كلام خَرِفٍ كهذا، سيلقنك درساً لن تنساه في حياتك.؟‏

فانصرفتُ من عندها مكلوماً، وأنا أتجرع مرارتي.‏

بعد شهر تماماً، تزوجت جميلة من رجل أعمال ثري جداً، وسافرت معه إلى بلاده. ثمَّ عادت بعد أشهر قلائل في زيارة مفاجئة ـ سارة لي ـ إلى بيت أهلها، لكن طالت زيارتها، ولم تسافر ثانية.‏

الغريب في الأمر،أن جميلة كانت تزور ـ وهي متبرجة ـ جيراننا جميعاً، دون جلباب أو إيشارب، وكانت تمكث عند بعضهم لوقت طويل جداً، حتى تلك البيوت التي تضم شباناً بمختلف الأعمار. لكنها لم تزرنا يوماً، ولم تلق نظرة أو سلاماً، على عينين متوسلتين، تقرحتا بالدماء والدموع، وكأننا لم نلعب في هذا الشارع يوماً، أو نتنزه بدراجتي.؟!‏

صفات فارسة أحلامي‏

الفتاة التي سأقترن بها، يجب أن تكون مجنونة مثلي، متمردة كقطة متنمرة، تخربش وجه من يزيحها عن طريقها، متحرّرة من العادات والتقاليد البالية، أن تصرخ ـ رفضاً ـ في وجه والدها إذا أجبرها على الاقتران بمن اختاره لها، أن تكون متيقنة بأن جسدها ملكها الخاص، ولها كلّ الحرية في التصرف به أنّى يحلو لها ووو.....‏

هكذا أملى على تلك الفتاة تعاليمه ووصاياه بلسان يقطر شهداً وعسلاً.!‏

وافقته.. أحبته.. ووهبت له أغلى ما تملك.!‏

بينما كان عائداً إلى البيت.. عشهما الزوجي.. رآها ترش الماء من الخرطوم على الغبار والأوساخ التي تناثرت وتجمعت أمام باب البيت، الذي يطل على الشارع، لكي تكنسها بعد ذلك.‏

استشاط غضباً.. تجمعت دماؤه في عروق كادت أن تتفجر.. أوسعها ضرباً.. مردّداً أمامها، باللسان ذاته الذي كان يتقاطر ذات تحرّرٍ حباً وعسلاً: أيتها الفاجرة.. أنتِ طالق بالثلاثة.!‏

عزرائيل في زيارة مفاجئة‏

زارت الزوجة الثكلى المقبرة، لكي تقرأ بعض الآيات على قبر زوجها، الذي فوجئت بوفاته ذات مشادة صاخبة بينهما يتعلق بتفريطها بشرفها، فاتصلت بأخيها الحائز على لقب بطل الجمهورية في رياضة الملاكمة، الذي غلت الدماء في عروقه، فحضر في الحال، وصوب لكمة قاضية على رأسه، فأردته صريعاً.!‏

تذكرت الزوجة تلك الحادثة المؤلمة، ثمَّ مزقت ثوبها الأسود، وأهالت التراب على رأسها، وهي تنشج ببكاء تتبعه بعويل هستيري مرير. لم تشعر إلا وبأحدهم يربت على ظهرها، استدارت وألقت نظرة خاطفة عليه، لكنها لم تتبين فيه ملامح واضحة، فارتعبت، وصرخت به قائلة:‏

من أنت.؟‏

عزرائيل‏

وماذا تريد مني.؟‏

جئتُ إلى هنا لكي أقتصَّ لزوجك منكِ.‏

وكيف ستقتصُّ لزوجي مني، وأنا لم أفعل به شيئاً.؟‏

لقد خنته، ومرغتِ شرفه في التراب أيضاً.! هل تنكرين.؟‏

وهل تزور الخائنة قبر زوجها يا فهيم.؟!‏

هل تنكرين بأن الشيطان وسوس في أذنيك، فصوّر لكِ الحياة في بيتكما جحيماً لا يطاق، وطلب منكِ خيانة زوجك المُعدم مع مدير الدائرة التي تعملين بها لكي يعوضك عن الحرمان الذي عانيت منه بالحياة الرغيدة والهدايا والثروة والجاه والسلطة.؟‏

ثَّم أردف متشفياً:‏

لقد حانت اللحظة.‏

لحظة ماذا.؟‏

القصاص‏

أرجوك.. أمهلني بعض الوقت لكي أشرح لك الأمر.؟!‏

فصرخ بها صرخة مدوية، هزت لها أرجاء المقبرة، وهو يستجمع قواه التي تمثلت على شكل لكمة قاضية من يده لكي يصوبها على رأسها فـ .......... !‏

فجأة.. وثبت الزوجة مذعورة من سريرها وقد جفَّ حلقها، لتبصر زوجها بالقرب منها وهو يغط في نوم هانئ عميق، فتمتمت سراً:‏

حمداً لله... لقد كان كابوساً مخيفاً فقط.‏

ثمَّ اندست كلصٍ خائفٍ من افتضاح أمره في سريرها وهي تردف:‏

الحمد لله.. إنني لم أفرط بعد بشرف العائلة.!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية