تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


خصوصية التجربة النسوية

ملحق ثقافي
22/12/2009
د. عبد المجيد زراقط/ لبنان

قضايا البحث، في كتاب الدكتورة زينب العسّال «النقد النسائي للأدب القصصي في مصر»، كثيرة. نحاول، في ما يأتي، وفي حدود ما يسمح به المقام، مقاربة مفهوم النَّقد النِّسائي والنِّسوي منها، والإجابة، من ثمَّ،

عن السُّؤال الآتي: ما نوع النَّقد موضوع البحث في هذا الكتاب؟ وما هي فاعليته النَّقديَّة؟‏

تثيرُ الباحثة، في مقدِّمة الكتاب، أسئلة منها: ما النَّقد النِّسائي؟ هل يوجد لدينا نقد نسائي؟ إلى أيِّ اتجاه ينتمي؟ ما اتجاهاته؟ إلى أي مدى استطاع أن يصوغ رؤى متجاوزة لما هو كائن بالفعل؟‏

تفيدُ هذه الأسئلة أن الإشكاليَّة موضوع البحثِ تتمثَّل في تحديدِ نوعِ النَّقد النِّسائي الموجود لدينا وتبيُّن فاعليته، وليس في وجودهِ؛ إذ إنَّ غير سؤالٍ من الأسئلة يقرُّ بهذا الوجود، كما أنَّ الباحثة تقول في ما بعد: «والحقيقة أنَّ الكتابات النِّسائية، بشقَّيها الأدبي والنَّقدي، شقَّت لنفسِها مساراً لا يزال يعمل يوماً بعد يوم».‏

في إشارةٍ أولى لمقاربة هذه الإشكالية، ترى الباحثة أنَّ النَّقد النِّسائي لم يُذكر ضمن تلك التَّصنيفات التي أقرَّ بها كبارُ الباحثين، كما أنَّ النَّاقدات النِّسويات كنَّ ينظرن إليه نظرة تفيد أنَّه من أعمال المقاومة ضدَّ النَّظريات، وأنَّ العلاقة بينه وبين النَّظريات النَّقدية علاقة ندِّيَّة وليست علاقة تابع بمتبوع.‏

وفي إشارة ثانية، ترى الباحثة «أنَّ النَّقد النِّسائي ارتبط بكتابة المرأة»، ما يثير سؤالاً، عن طبيعة الارتباط، مفاده: هل المقصود بالنَّقد النِّسائي النَّقد الذي تكتبه المرأة، أو النَّقد الذي يكتب عن الأدب الذي تكتبه المرأة؟‏

وأيَّاً تكن الإجابة، فإن مفهوم النَّقد النِّسائي، كما يبدو، في هذه الإشارة، هو النَّقد الذي تكتبه المرأة، أو الذي يُكتب عنها، لكن هذا النَّوع من النَّقد لا يُعدُّ من أعمال المقاومة ضدَّ النَّظريات، كما أن العلاقة بينه وبين النَّظريات ليست علاقة ندِّية، وإنَّما علاقة انتماء إلى نظريَّة، أو نظريَّات، معينة منها.‏

وفي صدد انتماء النَّقد النِّسائي إلى نظريَّة نقديَّة، تعرض الباحثة رأياً يتحدَّث عن موقفين، يرفض أوَّلهما، وهو المتشدِّد، انضواء النَّقد النِّسائي تحت أي نظرية نقدية، ويرى ثانيهما أنَّ مصلحة النَّقد النِّسائي تتمثَّل في أن يكون له نظرية، أو على الأقل أن ينفتح على النَّظريات، أو التَّيارات، النَّقدية الموجودة.‏

يمكن، في ضوء ما سبق، تصنيف الرُّؤى إلى النَّقد النِّسائي كما يأتي:‏

النَّقد المرتبط بكتابة المرأة، وهذا النَّقد لا يتَّصف بخصوصيِّة تميَّزه من النَّقد المرتبط بكتابة الرَّجل إلاَّ بالمنهج وكفاءة النَّاقدة، أو النَّاقد، في استخدامه.‏

النَّقد الذي يعدّ ندَّاً للنَّظريات النَّقدية «الذكوريَّة»، وعملاً من أعمال المقاومة ضدَّها. وهذا النَّقد إما أنَّه يمتلك نظرية نقدية نسوية، أو يفتقر إلى أي نظرية، أو ينفتح على النظريات النقدية، ما يجعل نظريته انتقائية.‏

يثير هذا التَّصنيف أسئلة كثيرة منها: هل يعدُّ النَّقد المرتبط بكتابَة المرأة نوعاً من أنواع النَّقد متميّزاً؟ وهل يمكن أن تعدُّ النَّظريات النَّقدية نظريات نسائية؟ وهل توجد نظرية نقدية نسائية؟ وما هي؟ ثمَّ هل يمكن لنقدٍ أدبي يفتقر إلى أي نظرية أن يكون نوعاً نقدياً متميِّزاً وذا فاعليَّة؟‏

يمكن القول، في الإجابة عن هذه الأسئلة، إنَّ النَّقد الذي تكتبه المرأة، ليقارب كتابات نسائية أو رجالية، معتمداً النَّظريات النَّقدية المتداولة، لا يتميَّز بخصوصيَّة تتيح تصنيفه نوعاً نقدياً ندَّاً مقاوماً لأنواع النَّقد الأخرى، كما أنَّ النَّقد الذي يفتقر إلى أي نظرية لا يمكن أن نعدَّه نوعاً نقدياً متميِّزاً وفاعلاً، فقد يكون نقداً انطباعياً لا يختلف عن أي نقدٍ انطباعي آخر.‏

يبقى النَّقد الممتلك نظرية/رؤية إلى العالم وقضاياه وأشيائه، ويرى إلى النُّصوص من منظور هذه النَّظرية/الرؤية، فيحصِّل معرفة بهذه النُّصوص، ويقدِّم هذه المعرفة للمتلقي منهجيَّاً، فهذا النَّقد يمكن أن يكون نوعاً نقديَّاً متميِّزاً من السَّائد وندَّاً مقاوماً له، أو نظيراً له، أو متكاملاً معه.‏

والأسئلة التي تُطرح، هنا، هي:‏

هل توجد هذه النَّظرية/الرؤية؟ وما هي؟ وهل هي التي تميِّز النَّقد النِّسائي، وتكسبه خصوصيَّة/هويته؟ ومن ثمَّ ما هو النَّقد النِّسائي؟‏

تحاول الباحثة، استناداً إلى مراجع مختصَّة، الإجابة عن السُّؤال المتعلِّق بتحديد مفهوم النَّقد النِّسائي، فتجد صعوبة في هذا التَّحديد مردُّها إلى كلمة «النِّسائي» التي تثير سؤالاً مفاده: ما المقصود بها؟‏

وفي الإجابة عن هذا السؤال تتحدَّث الباحثة عن ثلاثة مذاهب: أوَّلها «مذهب الانتصار للمرأة، وثانيها «مذهب تحرير المرأة»، وثالثها «مذهب تحرُّر المرأة».‏

وإن يكن المذهب الأوَّل يعني السَّعي إلى نيل المرأة حقوقها الاجتماعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة، والثَّالث يرتكز إلى «حقِّ المرأة في حياة جنسيَّة مستقلَّة»، قد تعني هنا، حرَّة. فإنَّ المذهب الثَّاني يبقى من دون تحديد.‏

تبشِّر هذه المذاهب، وإن كانت توجد بين أوَّلها والاثنين الآخرين فروقات جوهرية، بتعديل أوضاع المرأة في المجتمع، وتقوم على أساسٍ فلسفي قوامه «التحيُّزات أو الانحرافات التي تتيح للمرأة نيل الحقوق نفسها التي للرِّجال، واحتلال مكانة الرجل والابتعاد عن مكانة التَّابع».‏

تمثِّل هذه المذاهب جميعها حركة نسائيَّة تسعى إلى أن تحصل المرأة على الحقوق نفسها التي يتمتَّع بها الرَّجل، وإلى العبور من موقع «التَّابع» إلى موقعٍ آخر.‏

وهنا يبدأ الخلاف، فأيُّ موقع تريد المرأة الوصول إليه لتؤدِّي منه دوراً في المجتمع؟ هل هو موقع الرَّجل، أو موقع تؤهِّله لها خصوصيتها، فتكون لها حقوقه نفسها، وتكون في الوقت متميِّزة بهذه الخصوصيَّة؟‏

إن يكن الأمر هكذا، فهو يعني وجود حركة مطلبيَّة تسعى إلى تحقيق أهداف معيَّنة. وما يعنينا، هنا، من هذه الحركة، هو تلك «الخصوصيَّة» المتمثِّلة رؤية/نظريَّة تتيح إجراء «قراءة جديدة» ليس لكتابة جديدة فحسب، كما تقول شيرين أبو النَّجا، وإنَّما لأي كتابة قديمة أو جديدة، نسائيَّة أو رجاليَّة. فما هي هذه الخصوصيَّة المتمثِّلة رؤية/نظريَّة نقديَّة؟‏

تواصل الباحثة المحاولة، فتتحدَّث عن مصطلح «الجندر»، بوصفه «التَّعبير الثَّقافي عن الاختلاف الجنسي». وإن يكن الاختلاف الجنسي، غير المقتصر على المستوى البيولوجي، وإنما الشَّامل المستويات جميعها: الجسدي والنَّفسي والاجتماعي والثَّقافي...، يؤتي تعبيراً مختلفاً، فإن أساس الخصوصيَّة النسوية، ومن ثمَّ نظرية/رؤية النَّقد النُّسوي، تنطلق من هذا الاختلاف، أي من اختلاف التَّجربة وخصوصيَّتها.‏

وهنا ينبغي أن نلحظ وجود تجربة عامَّة مشتركةٍ، وتجربة فرديَّة فريدة في آن، وإن كانت الأولى تكوِّن الخصوصيَّة، فإنَّ الثَّانية تغنيها وتنوِّعها.‏

وفي هذا الصَّدد، ترى سوسن ناجي أنَّ منهج النَّقد الأدبي النِّسائي، بوصفه أحد المناهج النَّقديَّة الحديثة، يؤكِّد أهمية التَّجربة الشَّخصيَّة في الأدب، ويفيد من المناهج النَّقدية المعاصرة، ما يمدُّه بالثَّراء الإجرائي، ويخوِّله الكشف عن مناطق مجهولة أغفلها النَّقد الذكوري.‏

وهكذا يكون النَّقد الصَّادر عن هذا الوعي بالعالم، الرَّائي إليه بهذه الرُّؤية، المقارب للنُّصوص بنظرية مستقاة من هذا الوعي/الرؤية، خطاباً مغايراً للتقليدي والسَّائد، قادراً على النَّفاذ إلى حقائق الثَّقافة المهيمنة وخلخلتها، ومعول هدم لكل ما هو ثابت، واستراتيجية ثقافيَّة تكشف عن البنى المضمرة واللاواعية، وتفكِّك الأنساق الثَّقافية...‏

وبهذا، يغدو النَّقد النسوي نظرية لا علاقة لها بالجنس ذكراً أو أنثى، ما يعني أوَّلاً أن ليس كل نصٍّ صادرٍ عن امرأة هو بالضرورة نصٌّ نسوي، وثانياً أنَّ الرَّجل يمكن أن يكتب نصَّاً نسوياً.‏

وهذا ما تراه حركة التحرُّر النِّسوية «Feminism»، بوصفها منهجاً يُعتمد في الدِّراسة في معظم حقول العلوم الإنسانيَّة، ويتفرَّع إلى اتجاهات عديدة كالنسوية الليبراليَّة، والماركسيَّة، والاشتراكيَّة، والنَّفسيَّة، والوجوديَّة، وما بعد الحداثة...‏

يتيح لنا ما سبق الكلام على نوعين من النَّقد: أوَّلهما النَّقد النِّسائي، وهو النَّقد المرتبط بكتابة المرأة، من دون أن يصدر عن رؤية/نظريَّة نسويَّة، وثانيهما النَّقد النسوي، وهو النَّقد الممتلك نظرية مميِّزة، تصدر عن خصوصيَّة التَّجربة النّسويَّة، والمستفيد من إجراءات مختلف النَّظريات النَّقديَّة.‏

إنَّ رأينا، في ضوءِ هذا التَّقسيم، إلى مادَّة هذا الكتاب النَّقديَّة، تبيَّن لنا أنَّ هذه المادَّة تنتمي إلى النَّقد النِّسائي، بمعنى النَّقد المكتوب بأقلام النِّساء، استناداً إلى غير منهج نقدي.‏

والواضح أنَّ هذا النَّقد لا يخلو من نقدٍ نسوي، ومن نماذجه، أو من علاماته، كما تبيَّنت الباحثة، بنظرة نافذة، مساواة الأديبة النَّاقدة ميّ زياده بين النّسوي والأمومي. وهذه نظرة تفكِّك النَّصَّ، وتبحث فيه عن قيمٍ دلاليَّة جماليَّة مختلفة عمَّا هو سائد.‏

وهذا أمرٌ مدهش، كما تقول الباحثة، إذ إنَّ «أمثال مي زياده، وقبلها لبيبة هاشم وباحثة البادية، أدركن مفهوم النسويَّة، وتتبعن الخطاب النِّسوي الغربي، بل وتفوَّقن في تبنِّيهن لمفهوم النسويَّة، بحيث اعتمد على وضع المرأة العربيَّة، فجاء مسايراً للسِّياق الثَّقافي الذي تعيش فيه المرأة، فكان دفاعهن صادقاً عن جهود الرَّائدات النسويات».‏

وما هو جدير بالتوقُّف عنده، في هذا الصَّدد، ما توصَّل إليه الباحث النَّفسي، لويس ترمان من نتائج، عندما أجرى بحثاً تبيَّن فيه صفات سبعمئة طفل من الموهوبين، أو ذوي الذَّكاء الخارق، النَّفسيَّة والعقليَّة والبدنيَّة، ومن النَّتائج التي توصَّل إليها أنَّ الفتيات الموهوبات، وكان عددهن ثلاثمئة، بدت عليهن مظاهر الذكورة، عندما قورنت جوانب من شخصياتهن بنظيرتها من الفتيات العاديات»».‏

فهل يعني هذا أنَّ مظاهر ذكورة تلازم الموهبة، وأنَّ المرأة الموهوبة يمكن أن تمتلك قدرات/تجربة خاصَّة تتيح لها إمكانات النَّفاذ إلى الحقائق والخلخلة والتفكيك!؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية