|
ملحق ثقافي وتنبع أهمية الحوار كذلك من كونه جسراً يعبر من خلاله الإنسان من الحالة الطبيعية وما يرافقها من بدائية وقطع، إلى الحالة المدنية وما يصاحبها من تحضر ووصل. انطلاقاً من هذا الإطار المفاهيمي العام جاء كتاب (المسيحيون والمسلمون... حوار من أجل التعاون في حل مشاكل العصر)، تأليف: د. سهيل عروسي، والصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، الذي اجتهد مؤلفه عبره في التأسيس لجملة من المرتكزات الفكرية لعل أبرزها كما يشير عنوان هذا الكتاب أن الهدف ليس الحديث عن الحوار بين المسيحية والإسلام بشكل رئيسي، وإنما الحديث عن الحوار بين المسيحيين والمسلمين. إطار مفاهيمي عام تعرّض الفصل الأول الذي حمل عنوان (إطار مفاهيمي عام) إلى طيف واسع من مفاهيم الحوار، وأدواته، وآلياته، والصعوبات التي تعترضه في ظروف جغرافيتنا، الذاتية منها، والموضوعية. كما أنه أكد على أن الحوار لا يعني أن يكون الجميع في ضفة واحدة، بل في قارب واحد بمجدافين مختلفين، يتعاونان للوصول إلى الشاطئ من دون عوائق. فالحوار لا يعني أن ينظر الجميع من مكان واحد باتجاه الهدف، بل أن يُنظر إلى الهدف من أمكنة متعددة، فوحدة الهدف هي المطلوبة (وهي الإيمان بالله)، كما أن تعدد المشارب والمسائل والطرق، مطلوب أيضاً، لأن البشر على ثقافات مختلفة ومتنوعة، وإن هذا الاختلاف وهذا التنوع هو الذي يجعل من العيش أمراً ممكناً وميسراً، فالناس تعيش في مناخ التنوع ولا تعيش في مناخ العزلة والواحدية. وعلى هذا فإن التنوع الذي يسم الخطاب الديني والثقافي، هو تنوع في إطار حضارة مشرقية واحدة في جذورها، متعددة في أغصانها وأوراقها. المشترك بين المسيحية والإسلام يرى المؤلف في هذا الفصل الذي حمل عنوان (المشترك بين المسيحية والإسلام) أن العلاقات بين المسيحيين والمسلمين لا يمكن أن تبنى بشكل سليم إلا انطلاقاً من الاعتراف أولاً بواقع الاختلاف العقائدي بين الديانتين، والاعتراف ثانياً بالحق في هذا الاختلاف، وأن الحوار الديني ينبغي أن ينطلق من نقطتين أساسيتين هما: الاعتراف بواقع الاختلاف، وبالحق فيه. والتركيز على نقاط التلاقي في العقيدة والأخلاق في المسيحية والإسلام. وبناءً على ذلك فإن العلاقات المسيحية الإسلامية يجب أن تنطلق من واقع اختلاف ديني لا يمكن أن نبدل فيه شيئاً، ولكن أن ننظر إليه نظرة جديدة تقوم على التركيز على الأمور المشتركة بين المسيحية والإسلام، وهي أكثر بكثير من الأمور المُختلف فيها، وهذه الأمور المشتركة كافية لأن يُبنى انطلاقاً منها، علاقات محبة وأخوة وتعاون. الدولة الدينية يُعرف د. سهيل عروسي في هذا الفصل مفهوم (الدولة الدينية) مبيناً أن الدين هو الذي يشكل السند القانوني لهذه الدولة، وليس المواطنة بما تعنيه في إطارها العام، من حقوق وواجبات يشرعها قانون من صنع البشر، وهذا القانون يتغير بتغير الأزمان، بحيث يستجيب دائماً لمقتضيات الحاجات الإنسانية التي تكون في حالة تغير دائم. ويؤكد بأنه لا يخفى على أحد أن ثمة من يحاول استحضار نماذج يعتقدها موجودة، مثل نموذج الدولة الدينية، استحضاراً ينطلق من الوهم ولا يخدم مقاصد الدينين العليا بل هو في خدمة المشاريع السياسية التي تعمل على تقسيم آخر للمنطقة استجابة لمتطلبات السياسة ومشاريع الرأسمال العالمي. الحوار في قضايا العالم المعاصر إن التعاون بين المسيحيين والمسلمين في عالم يمور بالمشاكل هو اليوم أكثر من أي وقت مضى ضرورة تفرضها القيم الدينية والإنسانية والمجتمعية على حد سواء، فالبشرية تتعرض اليوم إلى مخاطر غير مسبوقة، تهدد السلام والعدل الدوليين، فالتطرف قد امتد إلى أكثر من منطقة ومكان في العالم، وحقوق الإنسان أصبحت بلا معنى لغياب الإنسان ذاته بين قتيل ومتشرد ومتسكع ومهاجر. وانطلاقاً من ذلك فقد حاول د. عروسي في الفصل الرابع من هذا الكتاب بيان المشاكل التي يتعرض لها المسيحيون والمسلمون، والحلول النظرية المستقاة من جوهر الدينين، والبرامج العملية لمعالجة تلك المشاكل أو الحد من أضرارها. |
|