|
ملحق ثقافي استفاق من إغماءته ليجد نفسه في قاع بئر سحيقة. كانت الرطوبة ورائحة العفونة تملأ المكان، متشحة بسواد حالك، تقتحمه دائرة مضيئة كقطعة نقد فضية في الأعلى. أراد الصراخ.. أراد النهوض لكن الألم كان أقوى، فكتم كل المحاولات بعجز يحطم كل جزء من جسده.
تضاءل حول نفسه بكل ما تبقى له من قوة، ليستسلم إلى إحباط جديد، إضافة إلى آلاف الإحباطات التي حملها من هناك. اقتحم ذلك الهدوء صوت قادم من تلك الدائرة الفضية هاي.. هاي.. هاي.. ارتفع بنظره إلى الأعلى، فوجد دائرة سوداء مرتسمة شغلت جزءاً من اللون الفضي، وكانت تتحرك مطلقة ذلك الصوت مرة أخرى هاي... هاي... هاي.... استجمع بعضاً من صوته. -ساعدني.... تعالت ضحكة طفولية. - لقد جُنِنْت... الصدى يردد نفسه؟؟ أمّا أن يقول ساعدني فهذا هو الجنون بعينه؟؟!!! - هاي... هاي... هل من أحد هناك؟؟؟ يتحرك قليلاً، يحاول أن يكون أكثر استقامةً، ويجهد نفسه كي يكون صوته أعلى. - أرجوك ساعدني... يتعالى الضحك بشكل هستيري - يا إلهي... هذا الصدى مختلف. لابد أن هناك إصابة في دماغي. يتسلل إلى سمعه صوت أقدام تضرب الأرض مبتعدة مردداً بصوت مسموع... - لابد أنه جنون البقر لقد قالت أمي أنني (تربيت على حليبه). لحظة قصيرة.... وتظهر في تلك النافذة دائرتان سوداوان. - هل يوجد ماء في هذا البئر؟ - لا أعتقد - تعال نجرب. ألق حجراً.... ألقى أحدهما حجراً، وأنصتا... حاول أن يتفاداه، لكن الحجر كان أسرع واستقر على رأسه. خرجت الآخ لاواعية من داخله لأنه في هذه اللحظة لم يكن باستطاعته امتلاك زمام أموره. - هل سمعت؟؟!! هذا ليس صوت ارتطام الحجر بماء. - وليس صوت الارتطام بتراب. - أتعتقد أن هذا صوت الحجر؟ - الحجر يتألم ويصرخ؟؟!!! - ربما..... لقد قال أجدادنا إن لكل شيء روحاً. - وهذا الحجر قد يملك روحاً... ألم تسمع! لقد صرخ متألماً. - أرجوكما أنقذاني........ - أنصت..... إنه يطلب منا إنقاذه. - هيا نبتعد. لقد قال الأجداد أيضاً، إن بعض الأرواح شريرة، وربما تكون هذه الروح شريرة. تنقطع الأصوات إلا من صوت أقدامهما تهرول مبتعدة. يعود إلى كآبته.... يعود إلى عفونة المكان التي بدأت تمتد إلى أجزائه. حتى تلك الفرجة الفضية، بدأت تبهت شيئاً فشيئاً، لولا ظهور تلك اليد من خلالها مشيرة إلى الأسفل. - ربما نجد هنا بعض الماء، وإذا لم يكن موجوداً نزيد من عمقها فنحصل على ما نريد ونوقف زحف هذا العطش القاتل. تتداخل عدة أصوات.. لا أمل.. لابد أن من سبقنا حاول ولم يجد فغادر الى مكان آخر مهاجراً.. الأفضل أن نرحل... لنحاول.. لن ننجح ولن نفعل.. يحاول أن يلوح بيديه لكنهما مشلولتان فقد غزاهما سكون مزمن، ولم يعد يسعفه سوى بقايا من صوته وعقله، الذي بدأ يمل جمجمته بعد أن أصبحت كبيرة عليه. - أرجوكم أنا هنا.. أنا هنا في الأسفل. هدوء.. صراخ هستيري ولغط هرج ومرج. - لقد صدق الذين عبروا. نعم إنها البئر المسكونة بالأرواح.. نعم إنها هي.. إنها أرواح شريرة.. هاتوا حجارتكم.. ارجموها. تنهال الحجارة من كل الأحجام والألوان... يصيح.. يصرخ.. يبكي.. تبدأ تلك النافذة الفضية بالابتعاد، ويخبو نورها، وتتقلص منفلتة من مدى نظره، ويتراكم حاجز من الحجارة يفصله عن تلك الحماقات محتضناً آخر أحلامه. |
|