تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سياسة ترامب حيال إيران لن تؤتي أكلها

New Eastern Outlook
دراسات
الثلاثاء 25-12-2018
ترجمة: ليندا سكوتي

اندفع المتظاهرون الإيرانيون في الطريق الذي يصل إلى مبنى السفارة الأميركية في طهران بموجات مثلها مثل تسونامي وبأيديهم يحملون لافتات يعربون بها عن استنكارهم وشجبهم للأفعال المشينة

الصادرة عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب والملك السعودي سلمان وولي عهده محمد. ولم تتوان وسائل الإعلام في شتى أرجاء العالم عن بث تلك المظاهرات بالصوت والصورة التي تظهر بشكل قاطع شجب ورفض الإيرانيين للسياسات العدائية للغرب والجهات الأخرى التي تضمر الشر لإيران. ولم تكن تلك المظاهرة فريدة من نوعها وإنما ثمة مظاهرات أخرى أعربت بها الجماهير الإيرانية عن رغبة ملحة في اختيار المقاومة في سبيل ردع الولايات المتحدة عما تبتغيه من تضييق الخناق على الشعب الإيراني.‏

لقد أقدم دونالد ترامب على تجاوز القانون وضرب صفحا عنه عندما لجأ إلى الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ذلك الاتفاق الذي وقعته وأقرته العديد من الدول الكبرى، ولم يكتف بذلك بل عمد إلى فرض عقوبات قاسية على طهران وخاصة في مجالي قطاع النفط وقطاع الشحن، كما فرض المزيد من القيود على علاقات إيران المالية وخاصة ما يتعلق بالنفط والغاز. ويبدو أن الولايات المتحدة في عهد ترامب قد أخذت تصر على تنفيذ عقوباتها ضد القيادة الإيرانية حيث أكد وزير خارجيتها مايك بومبيو على ضرورة تغيير طهران لمسارها الحالي، أي أن عليها الانحراف عن مسارها بمقدار 180 درجة والتخلي عن مسارها الثوري الحالي الأمر الذي يرفضه الإيرانيون بشكل قاطع.‏

أعرب القادة السياسيون في إيران عن شكوكهم في الأثر الذي يمكن أن تحدثه العقوبات. فأولاً، تبين بأنه منذ إعلان ترامب عنها بدأت الولايات المتحدة بإعفاء 8 دول ومنها الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان وتركيا، تلك الدول التي تعتبر من كبار الدول المستوردة للنفط الإيراني. وفي عام 2017، شكلت مستوردات تلك الدول 70% من الصادرات الإيرانية من النفط الخام والثقيل. كما وأن الصين لوحدها تستورد ما نسبته 25% من صادرات النفط الإيراني.‏

ثانيا، أعرب الاتحاد الأوروبي (إلى جانب العديد من الدول التي وقعت على الاتفاقية النووية) عن عدم التزامه بالعقوبات الأميركية على الرغم من عدم وروده في قائمة الاعفاءات الأميركية، وذلك إذا استمرت طهران بالالتزام بشروط الاتفاقية النووية. وأعطى الاتحاد وعدا بتعويض الخسائر للشركات الأوروبية التي تعرضت لأضرار مادية جراء العقوبات الأميركية. وها هو يسعى لوضع آلية خاصة «لتسديد المدفوعات» إلى إيران بعيدا عن الدولار أو أي تدخل أميركي.‏

ثالثا، أن السوق ذاته يعمل ضد العقوبات الأميركية ذلك لأن انخفاض كمية النفط المسوقة قد أدى إلى ارتفاع أسعاره، وبذلك فإن إيران لن تعاني من انخفاض في عائداتها. ومما يجدر ذكره أن سعر نفط برنت كان 60 دولارا للبرميل الواحد في شهر شباط. وارتفع ليبلغ 80 دولارا بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاقية، ومن ثم ارتفع ليبلغ 86 دولارا في تشرين الأول نتيجة انخفاض انتاج فنزويلا، ولم يفلح ترامب في إقناع حلفائه في الشرق الأوسط بزيادة انتاجهم وبالرغم مما يبذله من جهود فإن أسعار النفط قد بقيت بحدود 70 دولارا للبرميل الواحد، في الحين الذي اعتمدت فيه طهران سعر 55 دولارا كأساس لميزانيتها الأمر الذي يجعل إيراداتها أكبر مما كانت متوقعة. كما عبر الرئيس حسن روحاني عن عدم اكتراثه بالعقوبات الأميركية مؤكدا عدم وجود أي تأثيرات لها على الاقتصاد الإيراني، وقد سبق للولايات المتحدة أن فرضت مثل تلك العقوبات في وقت سابق لكنها لم تكن مجدية لها.‏

إن نظرة إلى التصرفات الأميركية حيال إيران والشرق الأسط، تؤكد لنا بأنها لم تتغير البتة منذ ثلاثين عاما، حيث نجد الولايات المتحدة تدعي رغبتها في إحلال الديمقراطية عندما قامت بعملية عاصفة الصحراء، وتزعم بأنها تسعى إلى إرساء قواعد الاستقرار في المنطقة. لكن الواقع والنتائج كانت خلاف ذلك إذ كان لتدخلها الأثر البعيد في زعزعة استقرار المنطقة، ومع ذلك بقيت متمسكة بما تبتغيه من هيمنة على العالم، وذلك بلجوئها إلى ممارسة الضغوط على الدول وفرض القيود عليها ومراقبة وردع أي دولة تحاول الخروج على طاعتها حتى لو أدى ذلك لإثارة الصراعات. وقد دأبت الولايات المتحدة على نقض العهود وعدم الالتزام بالقوانين الدولية حيث نجدها تنسحب من معاهدة الصواريخ متوسطة المدى INF وتبدي استعدادها للانسحاب من معاهدة ستارت Start واتفاقية التجارة الحرة NAFTA وتسعى لإجراء تغييرات في القوانين الدولية بما يتناسب مع مصالحها.‏

لقد عهد العالم تصرفات الولايات المتحدة واستطاع الافلات منها ومن سياسة القطب الواحد. وبتقديرنا فإن واشنطن لن تستطيع تحقيق مآربها كما أن دورها كشرطي للعالم سينتهي عما قريب.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية