|
ثقافة مع أنه ولد عام 1943 في حلب الشهباء، إلا أنه اعتبر نفسه ولد مع قضية أمته المركزية، فلسطين، ربماقبل يوم ميلاده الحقيقي، وربما قبل بعده، وقد صنعت إحساساته ومشاعره الرقيقة منه بسبب إلحاح القضية على ذهنه و إنتاجه إنساناً مرتبكاً متوجساً سوداوي النظرة إلى كل ماحوله، وقد أدى ذلك إلى رسم لوحات، تعبر عن بؤس الإنسان ووحشته وغرقه في فردية مميتة، فكأنه كان يعبر في رسومه عن نفسه، بما في ذلك إحراق نفسه، وهو على فراشه بسيجارة كانت في يده، وبقضية لم يجد لها في ذهنه المرتبك حلاً أو نهاية، فكان انتحاره، بقصد أو بدون قصد ذروة التراجيديا التي عاشها خلال حياته القصيرة التي امتدت أربعاً وأربعين سنة لاغير! -2- عرفت لؤي كيالي في منتصف الخمسينيات، كان قادماً إلى دمشق ليسافر منها إلى روما لدراسة فن الرسم، على نفقة وزارة التربية والتعليم، جمعتنا جلسة في مقهى الهافانا الذي كان يرتاده الأدباء والفنانون، وكل زائر من زوار دمشق، وتعددت لقاءاتنا، وكلفته أن يرسم لوحة لإحدى قصص مجموعتي القصصية الأولى «عالم ولكنه صغير» فرسمها مع رسوم أخرى كلفت بها فنانين أصدقاء، ونشرت، وبقينا على اتصال، وكان كلما عاد من روما في زيارة التقى بي، ولما صدرت جريدة الوحدة عام 1959، وكنت رئيس تحرير الثقافة والمنوعات فيها، توطدت علاقات الصداقة بيننا أكثر، وكان يزورني في مكتبي فيها، حتى إنه أهداني لوحتين من لوحاته، واحدة بعتها عندما تعرضت لأزمة مالية، والثانية لاتزال معلقة على جدار صالون بيتي، وقد سلطت الأضواء عليه بحملة صحفية، وكتبت فيه عشرات المقالات ومئات الأخبار. واستمرت هذه العلاقات الوطيدة بيننا من أواخر الستينيات، عندما أقامت له مديرية الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة معرضاً متميزاً للوحات رسمها «من أجل القضية» أقيم في المركز الثقافي العربي بـ «أبو رمانة» بمعرفة مدير المديرية طارق الشريف، يومئذ وعند افتتاح المعرض، قدم لنفسه بكلمة تحدث فيها عن اللوحات، وكيف أنه رسمها باللون الأسود والأبيض، ليبرز قتامة نظرته إلى الحياة، وإلى القضية كانت اللوحات مدهشة بموضوعاتها، لكنني لمست، كما لمس النقاد وزوار المعرض، نوعاً من السوداوية في حديث الكيالي أو لم نكن ندري أنه كان قد دخل في مرحلة الكآبة التي قادته فيما بعد إلى الارتباك وفقدان التوازن ومايقرب من الجنون. -3- مازالت التراجيديا التي صنعها بنفسه لنفسه، أو صنعت على الرغم منه تتصاعد وتتعاظم إلى درجة أنه صار يؤثر الوحدة والاعتكاف في بيته، لكنه لم ينقطع عن الرسم، وخلال هذه الفترة القصيرة منذ تخرجه من أكاديمية الفنون في روما عام 1961، مع زميله المرحوم المبدع فاتح المدرس، أنتج مئات الرسوم، وعرف بأسلوب شخصي دال عليه، وضع القدر حداً لحياته عندما تمدد على سريره في بيته، وأمسك بسيجارة مشتعلة في يده، وراح يدخنها، ويقال أنه تناول حبة «فاليوم» ما جعله شبه مخدر، ووقعت السيجارة على الفراش، وهو لايدري من أمره شيئاً. وسواء احترق أم أحرق نفسه، كان قد وضع حداً لحياته بالسيجارة التي كانت في يده، وبحبة فاليوم، وبكآبته وسوداويته، وتوفي، ويقال إنه أخذت جثته إلى حلب ليدفن في المدينة التي أنجبته والتي أحبها. -4- بعد وفاته بثلاث وعشرين سنة، أقيم مزاد في لندن، بتنظيم دار سوذبيز، بيعت فيه لوحات لرسامين عرب ومن الشرق الأوسط، حازت لوحة من لوحات الفنان الكبير المرحوم لؤي كيالي على ثمن فاق كل التوقعات، وهذا ماحدث في مزاد دبي الذي جرى قبل سنتين، فقد بيعت أعماله بعشرات الآلاف من الدولارات ودخلت لوحاته بورصة الفن التشكيلي في العالم على بساطة موضوعاته، لكن تكنيكه الشخصي الذي لايجاريه فيه أحد، زاد من أثمان لوحاته التي انتشرت في جميع أنحاء العالم، عند المتذوقين وتجار الفن، على أن كثيرين يقولون: إن تراجيديا لؤي كيالي كانت سبباً آخر في رفع أثمان نتاجه كله، رحمه الله. |
|